ثم خرج إلى مكة ، فلقيه الناس ، فقال أولئك النفر : نتلقّاه فلعلّه قد ندم على ما كان منه. فلقوه ببطن مرّ ، فكان أوّل من لقيه الحسين ، فقال له معاوية : مرحباً وأهلاً يا بن رسول الله وسيد شباب المسلمين. فأمر له بدابّة فركب وسايره ، ثم فعل بالباقين مثل ذلك ، وأقبل يسايرهم لا يسير معه غيرهم حتى دخل مكة ، فكانوا أوّل داخل وآخر خارج ، ولا يمضي يوم إلاّ ولهم صلة ، ولا يذكر لهم شيئاً ، حتى قضى نسكه ، وحمل أثقاله ، وقرب مسيره ، فقال بعض أولئك النفر لبعض : لا تخدعوا فما صنع بكم هذا لحبّكم وما صنعه إلاّ لما يريد ، فأعدّوا له جواباً. فاتّفقوا على أن يكون المخاطب له ابن الزبير.
فأحضرهم معاوية وقال : قد علمتم سيرتي فيكم ، وصلتي لأرحامكم ، وحملي ما كان منكم ، ويزيد أخوكم وابن عمّكم ، وأردت أن تقدّموه باسم الخلافة ، وتكونوا أنتم تعزلون وتأمرون وتجبون المال وتقسمونه ، لا يعارضكم في شيء من ذلك. فسكتوا ، فقال : ألا تجيبون؟ مرّتين ، ثم أقبل على ابن الزبير فقال : هات لعمري إنّك خطيبهم ، فقال : نعم نخيّرك بين ثلاث خصال ، قال : اعرضهنّ. قال : تصنع كما صنع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو كما صنع أبو بكر ، أو كما صنع عمر ، قال معاوية : ما صنعوا؟ قال : قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يستخلف أحداً فارتضى الناس أبا بكر ، قال : ليس فيكم مثل أبي بكر ، وأخاف الاختلاف. قالوا : صدقت فاصنع كما صنع أبو بكر ، فإنّه عهد إلى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه فاستخلفه ، وإن شئت فاصنع كما صنع عمر ، جعل الأمر شورى في ستّة نفر ليس فيهم أحد من ولده ولا من بني أبيه. قال معاوية : هل عندك غير هذا؟ قال : لا. ثم قال : فأنتم؟ قالوا : قولنا قوله. قال : فإنّي قد أحببت أن أتقدّم إليكم أنّه قد أعذر من أنذر ، إنّي كنت أخطب منكم (١) فيقوم إليّ القائم منكم فيكذّبني على رءوس الناس فأحمل ذلك وأصفح ، وإنّي قائم بمقالة فأُقسم بالله لئن ردّ عليّ أحدكم كلمة في مقامي هذا ، لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها
__________________
(١) في الكامل في التاريخ : ٢ / ٥١٣ : فيكم.