السيف إلى رأسه ، فلا يُبقِيَنَّ رجل إلاّ على نفسه. ثم دعا صاحب حرسه بحضرتهم ، فقال : أقم على رأس كلّ رجل من هؤلاء رجلين ، ومع كلّ واحد سيف ، فإن ذهب رجل منهم يردّ عليّ كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما.
ثم خرج وخرجوا معه حتى رقى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّ هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم ، لا يُبتَزّ أمر دونهم ، ولا يقضى إلاّ عن مشورتهم ، وإنّهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ، فبايعوا على اسم الله. فبايع الناس ، وكانوا يتربّصون بيعة هؤلاء النفر ، ثم ركب رواحله وانصرف إلى المدينة ، فلقي الناس أولئك النفر ، فقالوا لهم : زعمتم أنّكم لا تبايعون ، فلم رضيتم وأعطيتم وبايعتم؟ (١) قالوا : والله ما فعلنا. فقالوا : ما منعكم أن تردّوا على الرجل؟ قالوا : كادنا وخفنا القتل. وبايعه أهل المدينة ، ثم انصرف إلى الشام وجفا بني هاشم ، فأتاه ابن عبّاس فقال له : ما بالك جفوتنا؟ قال : إنّ صاحبكم ـ يعني الحسين عليهالسلام ـ لم يبايع ليزيد فلم تنكروا ذلك عليه. فقال : يا معاوية إنّي لخليق أن أنحاز إلى بعض السواحل فأقيم به ، ثم أنطق بما تعلم حتى أدع الناس كلّهم خوارج عليك. قال : يا أبا العبّاس تعطون ، وترضون ، وترادون (٢).
وجاء في لفظ ابن قتيبة : إنّ معاوية نزل عن المنبر وانصرف ذاهباً إلى منزله ، وأمر من حرسه وشرطته قوماً أن يُحضروا هؤلاء النفر الذين أبوا البيعة وهم : الحسين بن عليّ ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عبّاس ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وأوصاهم معاوية قال : إنّي خارج العشيّة إلى أهل الشام فأُخبرهم أنّ هؤلاء النفر قد بايعوا وسلّموا ، فإن تكلّم أحد منهم بكلام يصدّقني أو يكذّبني فيه فلا ينقضي كلامه حتى يطير رأسه. فحذر القوم ذلك ، فلمّا كان العشيّ
__________________
(١) كذا في الكامل ، وفي الطبعة المعتمدة من العقد الفريد : فلما دُعيتم وأرضيتم بايعتم!
(٢) العقد الفريد : ٢ / ٣٠٢ ـ ٣٠٤ [٤ / ١٦١ ـ ١٦٣] ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٢١ ـ ٢١٨ [٢ / ٥١١ حوادث سنة ٥٦ ه] ، ذيل الأمالي ص ١٧٧ [٣ / ١٧٥] ، جمهرة الرسائل : ٢ / ٦٩ رقم ٧٢ واللفظ لابن الأثير. (المؤلف)