خرج معاوية وخرج معه هؤلاء النفر وهو يضاحكهم ويحدّثهم وقد ألبسهم الحلل ، فألبس ابن عمر حلّة حمراء ، وألبس الحسين حلّة صفراء ، وألبس عبد الله بن عبّاس حلّة خضراء ، وألبس ابن الزبير حلّة يمانيّة ، ثم خرج بينهم وأظهر لأهل الشام الرضا عنهم ـ أي القوم ـ وأنّهم بايعوا ، فقال : يا أهل الشام إنّ هؤلاء النفر دعاهم أمير المؤمنين فوجدهم واصلين مطيعين ، وقد بايعوا وسلّموا ذلك ، والقوم سكوت لم يتكلّموا شيئاً حذر القتل ، فوثب أُناس من أهل الشام فقالوا : يا أمير المؤمنين إن كان رابك منهم ريب فخلّ بيننا وبينهم حتى نضرب أعناقهم. فقال معاوية : سبحان الله ما أحلّ دماء قريش عندكم يا أهل الشام! لا أسمع لهم ذاكراً بسوء ، فإنّهم قد بايعوا وسلّموا ، وارتضوني فرضيت عنهم رضي الله عنهم ، ثم ارتحل معاوية راجعاً إلى مكة ، وقد أعطى الناس أعطياتهم ، وأجزل العطاء ، وأخرج إلى كلّ قبيلة جوائزها وأُعطياتها ، ولم يخرج لبني هاشم جائزة ولا عطاء ، فخرج عبد الله بن عبّاس في أثره حتى لحقه بالروحاء ، فجلس ببابه ، فجعل معاوية يقول : من بالباب؟ فيقال : عبد الله ابن عبّاس ، فلم يأذن لأحد. فلمّا استيقظ قال : من بالباب؟ فقيل : عبد الله بن عبّاس. فدعا بدابّته فأدخلت إليه ثم خرج راكباً ، فوثب إليه عبد الله بن عبّاس فأخذ بلجام البغلة ، ثم قال : أين تذهب؟ قال : إلى مكة. قال : فأين جوائزنا كما أجزت غيرنا؟ فأوما إليه معاوية فقال : والله ما لكم عندي جائزة ولا عطاء حتى يبايع صاحبكم. قال ابن عبّاس : فقد أبى ابن الزبير فأخرجت جائزة بني أسد ، وأبى عبد الله بن عمر فأخرجت جائزة بني عديّ ، فما لنا إن أبى صاحبنا وقد أبى صاحب غيرنا. فقال معاوية : لستم كغيركم ، لا والله لا أُعطيكم درهماً حتى يبايع صاحبكم ، فقال ابن عبّاس : أما والله لئن لم تفعل لألحقنّ بساحل من سواحل الشام ثم لأقولنّ ما تعلم ، والله لأتركنّهم عليك خوارج. فقال معاوية : لا بل أعطيكم جوائزكم ، فبعث بها من الروحاء ، ومضى راجعاً إلى الشام. الإمامة والسياسة (١) (١ / ١٥٦).
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٦٣.