قال الأميني : إنّ المستشفّ لحقيقة الحال من أمر هذه البيعة الغاشمة جدّ عليم أنّها تمّت برواعد الإرهاب ، وبوارق التطميع ، وعوامل البهت والافتراء ، فيرى معاوية يتوعّد هذا ، ويقتل ذاك ، ويولّي آخر على المدن والأمصار ويجعلها طعمة له ، ويدرّ من رضائخه على النفوس الواطئة ذوات الملكات الرذيلة ، وفي القوم من لا يؤثّر فيه شيء من ذلك كلّه ، غير أنّه لا رأي لمن لا يُطاع ، لكنّ إمام الهدى ، وسبط النبوّة ، ورمز الشهادة والإباء لم يفتأ بعد ذلك كلّه مصحراً بالحقيقة ، ومصارحاً بالحقّ ، وداحضاً للباطل مع كلّ تلكم الحنادس المدلهمّة ، أصغت إليه أُذن أم لا ، وصغى إلى قيله أحد أو أعرض ، فقام بواجب الموقف رافعاً عقيرته بما تستدعيه الحالة ، ويوجبه النظر في صالح المسلمين ولم يثنه اختلاق معاوية عليه وعلى من وافقه في شيء من الأمر ، ولا ما أعدّه لهم من التوعيد والإرجاف بهم ، ولم تك تأخذه في الله لومة لائم ، حتى لفظ معاوية نفسه الأخير رمزاً للخزاية وشية العار ، ولقي الحسين عليهالسلام ربّه وقد أدّى ما عليه ، رمزاً للخلود ومزيد الحبور في رضوان الله الأكبر ، نعم ، لقي الحسين عليهالسلام ربّه وهو ضحيّة تلك البيعة ـ بيعة يزيد ـ كما لقي أخوه الحسن ربّه مسموماً من جرّاء تلكم البيعة الملعونة التي جرّت الويلات على أُمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم واستتبعت هدم الكعبة ، والإغارة على دار الهجرة يوم الحرّة ، وأبرزت بنات المهاجرين والأنصار للنكال والسوأة ، وأعظمها رزايا مشهد الطفّ التي استأصلت شأفة أهل بيت الرحمة ـ صلوات الله عليهم ـ ، وتركت بيوت الرسالة تنعق فيها النواعب ، وتندب النوادب ، وقرّحت الجفون ، وأسكبت المدامع ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (١).
نعم ؛ تمّت تلك البيعة المشومة مع فقدان أيّ جدارة وحنكة في يزيد ، تؤهّله لتسنّم عرش الخلافة على ما تردّى به من ملابس الخزي وشية العار ، من معاقرة
__________________
(١) الشعراء : ٢٢٧.