وقال المنذر بن الزبير لمّا قدم المدينة : إنّ يزيد قد أجازني بمائة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أن أُخبركم خبره ، والله إنّه ليشرب الخمر ، والله إنّه ليسكر حتى يدع الصلاة (١)
وقال عتبة بن مسعود لابن عبّاس : أتبايع يزيد وهو يشرب الخمر ، ويلهو بالقيان ، ويستهتر بالفواحش؟ قال : مه فأين ما قلت لكم؟ وكم بعده من آتٍ ممّن يشرب الخمر ، أو هو شرّ من شاربها ، أنتم إلى بيعته سراع ، أما والله إنّي لأنهاكم وأنا أعلم أنّكم فاعلون ، حتى يصلب مصلوب قريش بمكة ـ يعني عبد الله بن الزبير (٢).
نعم : لم يك على مخازي يزيد من أوّل يوم حجاب مسدول يُخفيها على الأباعد والأقارب ، غير أنّ أقرب الناس إليه ـ وهو أبوه معاوية ـ غضّ الطرف عنها جمعاء ، وحسب أنّها تخفى على الملأ الدينيّ بالتمويه ، وطفق يذكر له فضلاً وعلماً بالسياسة ، فجابهه لسان الحقّ ، وإنسان الفضيلة ، حسين العظمة ، بكلماته المذكورة في صفحة (٢٤٨ و ٢٥٠) ومعاوية هو نفسه يندّد بابنه في كتاب كتبه إليه ، ومنه قوله : اعلم يا يزيد : إنّ أوّل ما سلبكه السكر معرفة مواطن الشكر لله على نعمه المتظاهرة ، وآلائه المتواترة ، وهي الجرحة العظمى ، والفجعة الكبرى : ترك الصلوات المفروضات في أوقاتها ، وهو من أعظم ما يحدث من آفاتها ، ثم استحسان العيوب ، وركوب الذنوب ، وإظهار العورة ، وإباحة السرّ ، فلا تأمن نفسك على سرّك ، ولا تعتقد على فعلك (٣).
فنظراً إلى ما عرفته الأُمّة من يزيد ، من مخازيه وملكاته الرذيلة ، عدّ الحسن البصري استخلاف معاوية إيّاه من موبقاته الأربع ، كما مرّ حديثه في صفحة (٢٢٥).
__________________
(١) كامل ابن الأثير : ٤ / ٤٥ [٢ / ٥٨٨ حوادث سنة ٦٢ ه] ، تاريخ ابن كثير : ٨ / ٢١٦ [٨ / ٢٣٦ حوادث سنة ٦٢ ه]. (المؤلف)
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ١٦٧ [١ / ١٧٤]. (المؤلف)
(٣) صبح الأعشى : ٦ / ٣٨٧ [٦ / ٣٧٤]. (المؤلف)