وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها ، فأقمت بين المصرين ، وبعدت عن بركة الحرمين ، ورضيت بالكوفة بدلاً من المدينة ، وبمجاورة الخورنق والحيرة عوضاً عن مجاورة خاتم النبوّة.
ومن قبل ذلك ما عيّبت خليفتي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيّام حياتهما فقعدت عنهما ، وألّبت عليهما ، وامتنعت من بيعتهما ، ورُمتَ أمراً لم يرك الله تعالى له أهلاً ، ورقيت سلّماً وعراً ، وحاولت مقاماً دحضاً (١) ، وادّعيت ما لم تجد عليه ناصراً ، ولعمري لو ولّيتها حينئذ لما ازدادت إلاّ فساداً واضطراباً ، ولا أعقبت ولايتكها إلاّ انتشاراً وارتداداً ، لأنك الشامخ بأنفه ، الذاهب بنفسه ، المستطيل على الناس بلسانه ويده.
وها أنا سائر اليك في جمع من المهاجرين والأنصار ، تحفّهم سيوف شاميّة ، ورماح قحطانيّة ، حتى يحاكموك إلى الله ، فانظر لنفسك والمسلمين ، وادفع إليّ قتلة عثمان فإنّهم خاصّتك وخلصاؤك المحدقون بك ، فإن أبيت إلاّ سلوك سبيل اللجاج والإصرار على الغيّ والضلال ، فاعلم أنّ هذه الآية إنّما نزلت فيك وفي أهل العراق معك (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٢).
وقوله في كتاب له : وإن كنت موائلاً فازدد غيّا إلى غيّك ، فطالما خفّ عقلك ، ومنّيت نفسك ما ليس لك ، والتويت على من هو خير منك ، ثم كانت العاقبة لغيرك ، واحتملت الوزر بما أحاط بك من خطيئتك.
وقوله في كتاب له أيضاً : فدعني من أساطيرك ، واكفف عنّي من أحاديثك ، وأقصر عن تقوّلك على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وافترائك من الكذب ما لم يقُل ، وغرور من معك والخداع لهم ، فقد استغويتهم ويوشك أمرك أن ينكشف لهم فيعتزلوك ، ويعلموا
__________________
(١) مكان دحض بالفتح ويحرك : زلق. (المؤلف)
(٢) النحل : ١١٢.