في دينك ، وصدّ عن سبيلك ، فالعنه لعناً وبيلا ، وعذّبه عذاباً أليما. وكتب بذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات يُشاد بها على المنابر إلى أيّام عمر بن عبد العزيز (١).
وأخرج ابن مزاحم أنّ يوم صفّين برز شاب من عسكر معاوية يقول :
أنا ابنُ أربابِ الملوكِ غسّانْ |
|
والدائنُ اليوم بدين عثمانْ |
أنبأنا أقوامُنا بما كانْ |
|
أنَّ عليّا قتل ابنَ عفّانْ |
ثم شدّ فلا ينثني يضرب بسيفه ، ثم جعل يلعن عليّا ويشتمه ويسهب في ذمّه ، فقال له هاشم المرقال : إنّ هذا الكلام بعده الخصام ، وإنّ هذا القتال بعده الحساب ، فاتّق الله فإنّك راجع إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به ، قال : فإنّي أقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّي كما ذُكر لي ، وأنّكم لا تصلّون ، وأُقاتلكم أنّ صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله.
فقال له هاشم : وما أنت وابن عفّان؟ إنّما قتله أصحاب محمد وقرّاء الناس ، حين أحدث أحداثاً وخالف حكم الكتاب ، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين ، وأولى بالنظر في أمور المسلمين. وما أظنّ أنّ أمر هذه الأمّة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قطّ. قال الفتى : أجلْ أجَلْ ، والله لا أكذب فإنّ الكذب يضرّ ولا ينفع ، ويشين ولا يزين. فقال له هاشم : إنّ هذا الأمر لا علم لك به ، فخلّه وأهل العلم به. قال : أظنّك والله قد نصحتني.
وقال له هاشم : وأمّا قولك : إنّ صاحبنا لا يصلّي ، فهو أوّل من صلّى مع رسول الله ، وأفقهه في دين الله ، وأولاه برسول الله ، وأمّا من ترى معه ، فكلّهم قارئ الكتاب ، لا ينامون الليل تهجّدا ، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون. قال الفتى : يا عبد الله إنّي لأظنّك امرأً صالحاً ، وأظنّني مخطئاً آثماً ، أخبرني : هل تجد لي من
__________________
(١) راجع ما أسلفناه في الجزء الثاني : ص ١٠٢. (المؤلف)