ولا في معاوية من إنجاز الأمر بعد أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام بين السيف والمطامع ، وفي القلوب منه ما فيها إلى أن لفظ نفسه الأخير ، هذا سعد بن أبي وقّاص أحد العشرة المبشّرة ومن رجال الشورى الستة تخلّف عن بيعته ، دخل على معاوية فقال له : السلام عليك أيّها الملك ، فقال له : فهلاّ غير ذلك أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فقال سعد : نعم إن كنّا أمّرناك ، وفي لفظ : نحن المؤمنون ولم نؤمّرك. فقال معاوية : لا يبلغني أنّ أحداً يقول : إنّ سعداً ليس من قريش إلاّ فعلت به وفعلت ، إنّ سعداً الوسط في قريش ، ثابت النسب (١).
وهذا ابن عبّاس وهو يجابه معاوية ويدحض حجّته ، قال عبيد الله بن عبد الله المديني : حجّ معاوية فمرّ بالمدينة ، فجلس في مجلس فيه سعد ، وفيه عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عبّاس ، فالتفت إلى عبد الله بن العبّاس فقال : يا أبا عبّاس إنّك لم تعرف حقّنا من باطل غيرنا ، فكنت علينا ولم تكن معنا ، وأنا ابن عمّ المقتول ظلماً ـ يعني عثمان ـ وكنت أحقّ بهذا الأمر من غيري. فقال ابن عباس : اللهم إن كان هكذا فهذا ـ وأومأ إلى ابن عمر ـ أحقّ بها منك لأنّ أباه قتل قبل ابن عمّك. فقال معاوية : ولا سواء إنّ أبا هذا قتله المشركون ، وابن عمي قتله المسلمون. فقال ابن عبّاس : هم والله أبعد لك وأدحض لحجّتك. فتركه (٢).
وأنكرت عائشة على معاوية دعواه الخلافة ، وبلغه ذلك فقال : عجباً لعائشة تزعم أنّي في غير ما أنا أهله ، وأنّ الذي أصبحت فيه ليس لي بحقّ ، مالها ولهذا يغفر الله لها ، إنّما كان ينازعني في هذا الأمر أبو هذا الجالس وقد استأثر الله به. فقال
__________________
(١) تاريخ ابن عساكر : ٥ / ٢٥١ و ٦ / ١٠٦ [٢٠ / ٣٥٩ رقم ٢٤٢٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٩ / ٢٦٩]. (المؤلف)
(٢) تاريخ ابن عساكر : ٦ / ١٠٧ [٢٠ / ٣٦٠ رقم ٢٤٢٦ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٩ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠]. (المؤلف)