وأنّ معاوية لم يك غائباً عن ذلك الموقف ، وكان ينظر إليه من كثب ، فعلم بمن قتله ، وبمن انحاز عن قتله.
وأنّ ما ادّعاه معاوية لم يكن إفكاً وبهتاً وزوراً من القول ، متّخذاً عن شهادة مزوّرة واختلاق.
وأنّ هذه الخصومة لها شأن خاصّ لا ترفع كبقيّة الخصومات إلى إمام الوقت.
وأنّ قتال معاوية إنّما كان لطلب قتلة عثمان فحسب لا لطلب الخلافة ، وأنّه لم يك يروم الخلافة في قتاله بعد ما كان يعلم نفسه أنّه طليق وابن طليق ، ليس ببدريّ ولا له سابقة ، وأنّه لا يستجمع شرائط الخلافة ، وأنّه لم تؤهّله لها الخيرة والإجماع والانتخاب.
هب أنّ الوقائع هكذا وقعت ـ يا ابن حجر ـ واغضض عن كلّ ما هنالك من حقائق ثابتة على الضدّ ممّا سُطر (١) ، فهلاّ كانت مناوأة معاوية لخليفة وقته الإمام المنصوص والمجمع عليه خروجاً عليه؟! وهلاّ كان الحزب السفياني بذلك بُغاةً أهانوا سلطان الله ، واستذلّوا الإمارة الحقّة ، وخلعوا ربقة الاسلام من أعناقهم؟ فاستوجبوا إهانة الله ، يجب قتالهم ودرؤهم عن حوزة الإيمان ، وكانوا مصاديق للأحاديث المذكورة في أوّل هذا البحث (ص ٢٧٢ ، ٢٧٣).
إنّ معاوية لم يكن خليفة ولا انعقدت له بيعة ، وإنّما كان والياً عمّن تقدّم من الذين تصرّمت أيّام خلافتهم ، فلزمته بيعة أمير المؤمنين وهو بالشام ، كما كتب إليه بذلك الإمام عليهالسلام ، وكان تصدّيه للشؤون العامّة والياً على أهل ناحيته محتاجاً إلى أمر جديد ، أو تقرير لولايته الأولى من خليفة الوقت ، وكلّ ذلك لم يكن ، إن لم نقل : إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام عزله عمّا تولاّه ، وإنّه سلام الله عليه أوفد عليه من يبلّغه عنه لزوم الطاعة واللحوق بالجماعة ، كما إنّه عليهالسلام كتب إليه بذلك.
__________________
(١) راجع الجزء التاسع حتى تقف على حقيقة الأمر. (المؤلف)