والله ، إنّي لابنُ حرب ما يُقَعْقَعُ لي بالشنان (١) ، أما والله إنّك لمن المجلبين على ابن عفّان ٢ ، وإنّك لمن قتلته ، وإنّي لأرجو أن تكون ممّن يقتل الله عزّ وجلّ به ، هيهات يا عديّ بن حاتم قد حلبت بالساعد الأشدّ.
فقال له شبث بن ربعي ، وزياد بن حنظلة : أتيناك فيما يصلحنا وإيّاك ، فأقبلت تضرب الأمثال ، دع ما لا ينتفع به من القول والفعل ، وأجبنا فيما يعمّنا وإيّاك نفعه.
وتكلّم يزيد بن قيس ، فقال :
إنّا لم نأتك إلاّ لنبلغك ما بُعثنا به إليك ، ولنؤدّي عنك ما سمعنا منك ، ونحن ـ على ذلك ـ لن ندع أن ننصح لك ، وأن نذكر ما ظننّا أنّ لنا عليك به حجّة ، وأنّك راجع به إلى الألفة والجماعة ، إنّ صاحبنا من قد عرفت وعرف المسلمون فضله ، ولا أظنّه يخفى عليك ، إنّ أهل الدين والفضل لم يعدلوا بعليّ ، ولن يميّلوا (٢) بينك وبينه فاتّق الله يا معاوية ولا تخالف عليّا ، فإنّا والله ما رأينا رجلاً قطّ أعمل بالتقوى ، ولا أزهد في الدنيا ، ولا أجمع لخصال الخير كلّها منه.
فتكلّم معاوية وقال : أمّا بعد : فإنّكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة ، فأمّا الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي ، وأمّا الطاعة لصاحبكم فإنّا لا نراها ، إنّ صاحبكم قتل خليفتنا ، وفرّق جماعتنا ، وآوى ثأرنا وقتلتنا ، وصاحبكم يزعم أنّه لم يقتله ، فنحن لا نردّ ذلك عليه ، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنّهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ، ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.
فقال له شبث : أيسرّك يا معاوية أنّك أُمِكنت من عمّار تقتله؟ فقال معاوية :
__________________
(١) القعقعة : تحريك الشيء اليابس الصلب مع صوت. والشنان جمع شنّ بالفتح : القربة البالية. وإذا قعقع بالشنان للإبل نفرت ، وهو مثل يضرب لمن لا يروعه ما لا حقيقة له. (المؤلف)
(٢) التمييل بين الشيئين : الترجيح بينهما ، وقوله : لن يميّلوا ، أي لن يشكّوا ويترددوا ، فلا يحتاج الأمر إلى المقارنة والترجيح بينكما.