ويفرّق الكلمة بدسائسه وتسويلاته ، فمثله كما قال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام كمثل الشيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، لم يجعل الله له سابقة في الدين ، ولا سلف صدق في الإسلام.
وكتب إلى طلحة :
أمّا بعد : فإنّك أقلّ قريش في قريش وِتراً ، مع صباحة وجهك ، وسماحة كفّك ، وفصاحة لسانك ، فأنت بإزاء من تقدّمك في السابقة ، وخامس المبشّرين بالجنّة ، ولك يوم أُحد وشرفه وفضله ، فسارع ـ رحمك الله ـ إلى ما تُقلّدك الرعيّة من أمرها ، ممّا لا يسعك التخلّف عنه ، ولا يرضى الله منك إلاّ بالقيام به ، فقد أحكمتُ لك الأمر قِبَلي ، والزبير فغير متقدّم عليك بفضل ، وأيّكما قدّم صاحبه فالمقدّم الإمام ، والأمر من بعده للمقدّم له ، سلك الله بك قصد المهتدين ، ووهب لك رشد الموفّقين ، والسلام (١).
قال الأميني : لمسائل هاهنا أن يحفي معاوية السؤال عن أنّ ما تبجّح به للزبير وطلحة من الفضائل التي استحقّا بها الخلافة هل كان عليّ عليهالسلام خلواً منها؟ يذكر لهما البشارة بالجنّة ، وأنّ زبيراً أحد أولئك المبشّرين ، وأنّ طلحة خامسهم ، فهلاّ كان عليّ عليهالسلام عاشرهم؟ فلما ذا سلخها عنه ، وحثّهما على المبادرة إليها حتى لا يسبقهما إليها ابن أبي طالب؟! وإن كان تلكم البشارة ـ المزعومة ـ بمجرّدها كافية في إثبات الجدارة للخلافة فلما ذا أخرج عنها سعد بن أبي وقّاص؟ وهو أحد القوم المبشّرين وكان يومئذ حيّا يُرزق ، ولعلّ طمعه فيهما كان آكد ، فحلب حلباً له شطره.
والأعجب قوله لطلحة : فأنت بإزاء من تقدّمك في السابقة. فهلاّ كان أمير المؤمنين أوّل السابقين وأولاهم بالمآثر كلّها؟ وهلاّ ثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «السبّاق ثلاثة : السابق إلى موسى يوشع ، وصاحب ياسين إلى عيسى ، والسابق إلى
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٢٣٥ كتاب ١٩٣.