وكتب إلى الزبير أيضاً :
أمّا بعد : فإنّك الزبير بن العوام ، ابن أبي خديجة (١) ، وابن عمّة (٢) رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحواريّه ، وسِلفه (٣) وصهر أبي بكر ، وفارس المسلمين ، وأنت الباذل في الله مهجته بمكة عند صيحة الشيطان ، بعثك المنبعث ؛ فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت ، تخبط خبط الجمل الرديع ، كلّ ذلك قوّة إيمان وصدق يقين ، وسبقت لك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم البشارة بالجنّة ، وجعلك عمر أحد المستخلفين على الأمة.
وأعلم يا أبا عبد الله : أنّ الرعية أصبحت كالغنم المتفرّقة لغيبة الراعي ، فسارع ـ رحمك الله ـ إلى حقن الدماء ؛ ولَمِّ الشعث ، وجمع الكلمة ، وصلاح ذات البين ، قبل تفاقم الأمر ، وانتشار الأُمّة ، فقد أصبح الناس على شفا جُرف هار ، عمّا قليل ينهار إن لم يُرأب ، فشمّر لتأليف الأُمّة ، وابتغ إلى ربّك سبيلا ، فقد أحكمتُ الأمر منِ قبَلي لك ولصاحبك على أنّ الأمر للمقدّم ، ثم لصاحبه من بعده ، جعلك الله من أئمة الهدى ، وبُغاة الخير والتقوى ، والسلام (٤).
ألا مسائل ابن هند عن قوله : إنّ الرعيّة أصبحت كالغنم المتفرّقة. إلى آخره. لما ذا أصبحت؟ ومتى أصبحت؟ وكيف أصبحت؟ وراعيها الذي يرقبها ويرقب كلّ صالح لها ، ويشمّر لدرء كلّ معرّة عنها ، هو صنو رسول الله ونفسه ، الإمام المنصوص عليه ، وقد أجمعت الأُمّة على بيعته لو لا أنّ معاوية يكدّر الصفو ، ويقلق السلام ،
__________________
(١) خويلد أبو خديجة زوج الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم جدّ الزبير بن العوام بن خويلد. (المؤلف)
(٢) أُمّ الزبير هي صفيّة بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله. (المؤلف)
(٣) السلف : زوج أُخت امرأته ، تزوّج الزبير أسماء بنت أبي بكر ، وتزوّج رسول الله أختها عائشة.(المؤلف)
(٤) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٢٣٦ كتاب ١٩٣.