سلام عليك. أمّا بعد : فإنّي قد بايعت لك أهل الشام ، فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الحلب (١) ، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليهما ابن أبي طالب ، فإنّه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فأظهِرا الطلب بدم عثمان ، وادعوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجدّ والتشمير ، أظفركما الله ، وخذل مُناوئكما.
فسُرّ الزبير بهذا الكتاب ، وأعلم به طلحة ، ولم يشكّا في النصح لهما من قبل معاوية ، وأجمعا عند ذلك على خلاف عليّ عليهالسلام. شرح ابن أبي الحديد (٢) (١ / ٧٧)
قال الأميني : انظر إلى دين الرجل وورعه ، يستسيغ أن يخاطب الزبير بإمرة المؤمنين لمحض حسبانه أنّه بايع له أجلاف أهل الشام ، ولا يقول بها لأمير المؤمنين حقّا عليّ عليهالسلام وقد تمّت له بيعة المسلمين جمعاء ، وفي مقدّمهم الزبير نفسه ، وطلحة بن عبيد الله الذي حاباه معاوية ولاية العهد بعد صاحبه ، فغرّهما على نكث البيعة ، فذاقا وبال أمرهما ، وكان عاقبتهما خُسراً.
وأنت ترى أنّ الطلب بدم عثمان قنطرة النزاع في الملك ، ووسيلة النيل إلى الأمانيّ من الخلافة الباطلة ، أوحاه معاوية إلى الرجلين (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) (٣).
ويدعو الرجل لمناوئي عليّ عليهالسلام بالظفر وعليه عليهالسلام بالخذلان ، والصادع الكريم يقول في الصحيح المتّفق عليه : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله».
__________________
(١) استوسق : اجتمع. الحلب : اللبن المحلوب. (المؤلف)
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٣١ ، كتاب ٨.
(٣) الأنعام : ١٢١.