لمعاوية ، وكان ممّا قال لهما : عجباً منكما ، كيف جاز عليكما ما جئتما به ، تدعوان عليّا إلى أن يجعلها شورى ، وقد علمتما أنّه قد بايعه المهاجرون والأنصار وأهل الحجار والعراق ، وأنّ من رضيه خير ممّن كرهه ، ومن بايعه خير ممّن لم يبايعه؟ وأيّ مدخل لمعاوية في الشورى وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة؟ وهو وأبوه من رءوس الأحزاب ، فندما على مسيرهما وتابا منه بين يديه ـ رحمة الله عليهم.
٢ ـ خرج رجل من أهل الشام ـ يوم صفين ـ ينادي بين الصفّين : يا أبا الحسن يا عليّ ابرز إليّ. فخرج إليه عليّ حتى إذا اختلفت أعناق دابتيّهما بين الصفّين فقال : يا عليّ إنّ لك قدماً في الإسلام وهجرة ، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء ، وتأخير هذه الحروب حتى ترى رأيك؟ فقال له عليّ «وما ذاك»؟ قال : ترجع إلى عراقك ، فنخلّي بينك وبين العراق ، ونرجع إلى شامنا فتخلّي بيننا وبين شامنا. فقال له عليّ : «لقد عرفت أنّما عرضت هذا نصيحة وشفقة ، ولقد أهمّني هذا الأمر وأسهرني ، وضربت أنفه وعينه فلم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إنّ الله تبارك وتعالى لم يرضَ من أوليائه أن يُعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بمعروف ، ولا ينهون عن منكر ، فوجدت القتال أهون عليّ من معالجة الأغلال في جهنّم» (١).
٣ ـ قال عتبة بن أبي سفيان لجعدة بن هبيرة : يا جعدة إنّا والله ما نزعم أنّ معاوية أحقّ بالخلافة من عليّ لو لا أمره في عثمان ، ولكنّ معاوية أحقّ بالشام ، لرضا أهلها به ، فاعفوا لنا عنها ، فو الله ما بالشام رجل به طرق إلاّ وهو أجدّ من معاوية في القتال ، ولا بالعراق من له مثل جدّ عليّ في الحرب ، ونحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم ، وما أقبح بعليّ أن يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس ، حتى إذا أصاب سلطانا أفنى العرب.
__________________
(١) كتاب صفّين لنصر بن مزاحم : ص ٥٤٢ [ص ٣٧٣] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٨٣ [٢ / ٢٠٧ خطبة ٤]. (المؤلف)