لا وفّقك الله غدرت وفجرت (١) ، إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، وبين قول ابن العاصي لأبي موسى : وإنّما مثلك مثل الحمار يحمل أسفاراً (٢) ، فوُئِد الحقّ ، وأودي بالحقيقة ، بين شيطان وغبيّ ، فكان من المتسالم عليه بين الفريقين أنّ الخلافة هي المتوخّاة لكلّ منهما ، ولذلك انعقد التحكيم ، وبه كان يلهج خطباء العراق وأمراؤهم عند النصح للأشعري ، وزبانية الشام المنحازة عن ضوء الحقّ ، وبلج الإصلاح. فمن قول ابن عبّاس للأشعري :
إنّه قد ضُمّ إليك داهية العرب ، وليس في معاوية خلّة يستحقّ بها الخلافة ، فإن تقذف بحقّك على باطلة تُدرك حاجتك منه ، وإن يطمع باطله في حقّك يُدرك حاجته منك ، واعلم يا أبا موسى أنّ معاوية طليق الإسلام ، وأنّ أباه رأس الأحزاب ، وأنّه يدّعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة ، فإن زعم لك أنّ عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق ، استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي ، ويوجره (٣) ما يكره ، ثم استعمله عثمان برأي عمر ، وما أكثر من استعملا ممّن لم يدّع الخلافة ، واعلم أنّ لعمرو مع كلّ شيء يسرّك خبأً يسوؤك ، ومهما نسيت فلا تنسَ أنّ عليّا بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، وأنّها بيعة هدى ، وأنّه لم يقاتل إلاّ العاصين والناكثين. شرح ابن أبي الحديد (٤) (١ / ١٩٥).
__________________
(١) وفي لفظ ابن قتيبة : مالك؟ عليك لعنة الله ، ما أنت إلاّ كمثل الكلب. وفي لفظ ابن عبد ربّه : لعنك الله ، فإن مثلك كمثل الكلب. (المؤلف)
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ١١٥ [١ / ١١٨] ، كتاب صفّين : ص ٦٢٨ طبعة مصر [ص ٥٤٦] ، العقد الفريد : ٢ / ٢٩١ [٤ / ١٤٦] ، تاريخ الطبري : ٦ / ٤٠ [٥ / ٧١ حوادث سنة ٣٧ ه] ، مروج الذهب : ٢ / ٢٢ [٢ / ٤١٧ ، ٤١٨] ، كامل ابن الأثير : ٣ / ١٤٤ [٢ / ٣٩٧ حوادث سنة ٣٧ ه] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٩٨ [٢ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ خطبة ٣٥]. (المؤلف)
(٣) وجره الدواء أوجره إيّاه : جعله في فيه ، أوجره الرمح : طعنه ، ووجره : أسمعه ما يكره. (المؤلف)
(٤) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٤٦ خطبة ٣٥.