الميول والشهوات سدّا دون ذلك ، فلا يُدرأ به التهمة عن المؤلّبين على عثمان ، وهم عدول الصحابة ووجوه المهاجرين والأنصار ، وأعيان المجتهدين ، الذين أخذوا الكتاب والسنّة من نفس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهم عند ابن حزم المبرّر لفتكة أشقى مراد باجتهاده المشوم : فسّاق ، ملعونون ، محاربون ، سافكون دماً حراماً عمداً (١). وعند ابن تيميّة : قوم خوارج مفسدون في الأرض ، لم يقتله إلاّ طائفة قليلة باغية ظالمة ، وأمّا الساعون في قتله فكلّهم مخطئون ، بل ظالمون باغون معتدون (٢). وعند ابن كثير : أجلاف أخلاط من الناس ، لا شكّ أنّهم من جملة المفسدين في الأرض ، بغاة خارجون على الإمام ، جهلة ، متعنّتون ، خونة ، ظلمة ، مفترون (٣). وعند ابن حجر : بغاة ، كاذبون ، ملعونون ، معترضون ، لا فهم لهم بل ولا عقل (٤).
ولو كان للاجتهاد منتوج مقرّر فلم لم يُتّبع في إرجاء أمير المؤمنين عليهالسلام أمر المتّهمين بقتل عثمان إلى ما يراه من المصلحة ، فينتصب للقضاء فيه على ما يقتضيه الكتاب والسنّة ، فشنّت عليه الغارات يوم الجمل وفي واقعة صفّين ، وكان من ذيولها وقعه الحروريّين ، فلم يُتّبع اجتهاد خليفة الوقت الذي هو باب مدينة علم النبيّ ، وأقضى الأُمّة بنصّ من الصادق المصدّق ، لكنّما اتّبع اجتهاد عثمان في العفو عن عبيد الله ابن عمر في قتله لهرمزان وبنت أبي لؤلؤة ، وإهدار ذلك الدم المحرّم من غير أيّ حجّة قاطعة أو برهنة صحيحة ، فلو كان للخليفة مثل ذلك العفو فلم لم يجر حكمه في الآوين إلى مولانا أمير المؤمنين من المتجمهرين على عثمان؟ ولم يكن يومئذ من المقطوع به ما سوف يقضي به الإمام من حكمه الباتّ ، أيُعطي دية المقتول من بيت المال لأنّه أُودي به بين جمهرة المسلمين لا يُعرف قاتله ، كما فعله في أربد
__________________
(١) الفِصَل لابن حزم : ٤ / ١٦١. (المؤلف)
(٢) منهاج السنّة : ٣ / ١٨٩ ، ٢٠٦. (المؤلف)
(٣) تاريخ ابن كثير : ٧ / ١٧٦ ، ١٨٦ ، ١٨٧ [٧ / ١٩٨ ، ٢٠٨ ، حوادث سنة ٣٥ ه]. (المؤلف)
(٤) الصواعق المحرقة : ص ٦٧ ، ٦٨ ، ١٢٩. [ص ١١٣ ، ٢١٧]. (المؤلف)