الفزاري (١) ، أو أنّه يراهم من المجتهدين ـ وكانوا كذلك ـ الذين تأوّلوا أصابوا أو أخطأوا ، أو أنّه كان يرى من صالح الخلافة واستقرار عروشها أن يرجئ أمرهم إلى ما وراء ما انتابه من المثلات ، وما هنالك من إرجاف وتعكير يُقلقان السلام والوئام ، حتى يتمكّن من الحصول على تدعيم عرش إمرته الحقّة المشروعة ، فعلى أيّ من هذه الأقضية الصحيحة كان ينوء الإمام عليهالسلام به ، فلا حرج عليه ولا تثريب ، لكن سيف البغي الذي شهروه في وجهه ، أبى للقوم إلاّ أن يتّبع الحقّ أهواءهم ، وما ذا نقموا عليه ـ صلوات الله عليه ـ من تلكم المحتملات؟ حتى يسوغ لهم إلقاح الحرب الزبون التي من جرّائها تطايرت الرؤوس ، وتساقطت الأيدي ، وأُزهقت نفوس بريئة ، وأُريقت دماء محترمة ، فبأيّ اجتهاد بادروا إلى الفرقة ، وتحمّلوا أوزارها ، ولم تتجلّ لهم حقيقة الأمر ولباب الحقّ ، لكنّهم ابتغوا الفتنة ، وقلّبوا له الأمور ، ألا في الفتنة سقطوا.
ومن أعجب ما يُتراءى من مفعول الاجتهاد في القرون الخالية : أنّه يبيح سبّ عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام وسبّ كلّ صحابيّ احتذى مثاله ، ويجوّز لأيّ أحد كيف شاء وأراد لعنهم ، والوقيعة فيهم ، والنيل منهم ، في خطب الصلوات ، والجمعات ، والجماعات ، وعلى صهوات المنابر ، والقنوت بها ، والإعلان بذلك في الأندية والمجتمعات ، والخلأ والملأ ، ولا يلحق لفاعلها ذمّ ولا تبعة ، بل له أجر واحد لاجتهاده خطأً ، وإن كان هو من حثالة الناس ، وسفلة الأعراب ، وبقايا الأحزاب ، البعداء عن العلوم والمعارف.
وأمّا عليّ وشيعته فلا حقّ لهم في بيان ظلامتهم عند مناوئيهم ، والوقيعة في خصمائهم ، ومبلغ إسفافهم إلى هوّة الضلالة ، على حدّ قوله تعالى (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ) (٢) وليس لأحدهم في الاجتهاد في ذلك كلّه نصيب ، ولو
__________________
(١) راجع كتاب صفّين : ص ١٠٦ [ص ٩٤] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٢٧٩ [٣ / ١٧٤ الأصل ١٤٦]. (المؤلف)
(٢) النساء : ١٤٨.