وأخطأ. لكنّه إمّا جاهل لحقيقة الحال مقلّد ، وإمّا ضالّ اتّبع هواه ، اللهمّ إنّا نشهد بذلك.
ورأيت لبعض متأخّري الطبريّين في مكة رسالة ذكر فيها كلاماً عزاه لابن عساكر (١) وهو : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبر أنّ معاوية سيلي أمر الأُمّة ، وأنّه لن يُغلب ، وأنّ عليّا كرّم الله وجهه قال يوم صفّين : لو ذكرت هذا الحديث أو بلغني لما حاربته.
ولا يبعد نحو هذا ممّن سلّ سيفه على عليّ والحسن والحسين وذرّيتهما ، والراضي كالفاعل كما صرّحت به السنّة النبويّة ، إنّما استغربنا وقوع هذا الظهور حكاية الإجماع من جماعة المتسمّين بالسنّة بأنّ معاوية هو الباغي ، وأنّ الحقّ مع عليّ ، وما أدري ما رأي هذا الزاعم في خاتمة أمر عليّ بعد ما ذكر ، وكذلك الحسن السبط ، وترى هؤلاء الذين ينقمون على عليّ قتاله البغاة يحسنون لمن سنّ لعنه على المنابر في جميع جوامع المسلمين ، منذ وقته إلى وقت عمر بن عبد العزيز اللاحق بالأربعة الراشدين ، مع أنّ سبّ عليّ فوق المنابر وجعله سنّة تصغر عنده العظائم. وفي جامع المسانيد في مسند أمّ سلمة : أيسبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيكم؟ قلت : معاذ الله. قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «من سبّ عليّا فقد سبّني». الكلام.
ولعلّك إن نظرت إلى ما سردناه من سيرةهذا المجتهد الجاهل الضالّ ، تأخذ لك مقياساً لمبلغ علمه ، وقسطه المتضائل من الاجتهاد في أحكام الله ، وأنّه منكفئ عنه ، فارغ الوطاب ، صفر الأكفّ عن أيّ علم ناجع ، أو عمل نافع ، بعيداً عن فهم الكتاب ، والتفقّه في السنّة ، والإلمام بأدلّة الاجتهاد.
نعم ؛ لم يكن معاوية هو نسيج وحده في الجهل بمبادئ الاجتهاد وغاياته ، وإنّما
__________________
(١) مختصر تاريخ دمشق : ٢٥ / ٨.