ولا قيصريّة ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء على الآباء (١) ، وبعد أن تذوّقه كان لم يزل بين اثنتين : فضيحة العدول عن رأيه في يزيد ، ومغبّة التمرّد عليه ، لا سيّما بعد أخد المنحة ، فلم يبرح مُصانعاً حتى بايعه بعد أبيه ، ولمّا جاءت بيعته قال : إن كان خيراً رضينا ، وإن كان بلاءً صبرنا (٢) ، ونحت لذلك التريّث حجّة تافهة من أنّ المانع عن البيعة كان هو وجود أبيه. وكان ليزيد أن يناقشه الحساب بأنّ أباه لم يكن يأخذ البيعة له في عرض بيعته ، وإنّما أخذها طوليّة لما بعده ، لكنّه لم يناقشه لحصول الغاية.
هذه صفة بيعة يزيد منذ أوّل الأمر ، ولمّا هلك أبوه ازدلفت إليه روّاد المطامع نظراء ابن عمر في نهيق ورغاء يجدّدون ذلك الإرهاب والإطماع ، فمن جرّاء تقريرهم بيعة ذلك المجرم المستهتر ، وتعاونهم على الإثم والعدوان ، والله يقول (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) (٣) وشقّهم عصا المسلمين ، وخلافهم الأُمّة الصالحة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، جهزّ يزيد جيش مسلم بن عقبة ، وأباح له دماء مجاوري رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأموالهم ، فاستباحها ثلاثة أيّام نهباً وقتلاً ، وقتل من حملة القرآن يوم ذاك سبعمائة نفس ، وحكى البلاذري : أنّه قتل بالحرّة من وجوه قريش سبعمائة رجل وكسر ، سوى من قُتل من الأنصار ، وفيهم ممّن صحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جماعة ، وممّن قُتل صبراً من الصحابة عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة ، وقتل معه ثمانية من بنيه ، ومعقل بن سنان الأشجعي ، وعبد الله بن زيد ، والفضل بن العباس بن ربيعة ، وإسماعيل بن خالد ، ويحيى بن نافع ، وعبد الله (٤) بن عتبة ، والمغيرة بن عبد الله ، وعياض بن حمير ، ومحمد بن عمرو بن حزم ، وعبد الله ابن أبي عمرو ، وعبيد الله وسليمان ابنا عاصم ، ونجّى الله أبا سعيد وجابراً وسهل بن
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤٣ [١ / ١٥٠]. (المؤلف)
(٢) لسان الميزان : ٦ / ٢٩٤ [٦ / ٣٦٠ رقم ٩٢٨٨]. (المؤلف)
(٣) المائدة : ٢.
(٤) في تاريخ خليفة : ص ١٨٤ ، وأنساب الأشراف : عبيد الله.