أيشربُها صهباءَ كالمسك ريحُها |
|
أبو خالد والحدّ يُضرَبُ مسورُ (١) |
قد جبههم ابن عمر بما جاء هو عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما فصّلناه في الجزء السابع (ص ١٤٦) ، جمع أهل بيته وحشمه ومواليه وقال : لا يخلعن أحد منكم يزيد ، ولا يشرفن أحدمنكم في هذا الأمر فيكون صيلماً وبيني وبينه. وفي لفظ البخاري : إنّي لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلاّ كانت الفيصل بيني وبينه.
وتمسّك في تقرير تلك البيعة الملعونة بما عزاه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قول : إنّ الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان. جهلاً منه بأساليب الكلام لما هو المعلوم من أنّ مصداق هذا الكلّي هو الفرد المتأهّل للبيعة الدينيّة ، بيع الله ورسوله ، لا من هو بمنتأىً عن الله سبحانه ، وبمجنب عن رسوله ، كيزيد الطاغية أو والده الباغي.
ومهما ننس من شيء فإنّا لا ننسى مبدأ البيعة ليزيد على عهد ابن آكلة الأكباد بين صفيحة مسلولة ومنيحة مُفاضة ، أقعدت هاتيك من نفى جدارة الخلافة عن يزيد ، وأثارت هذه سماسرة الشهوات ، فبايعوا بين صدور واغرة ، وأفئدة لا ترى ما تأتي به من البيعة إلاّ هزواً.
وفي لهوات الفضاء وأطراف المفاوز كلّ فارّ بدينه ، متعوّذين من معرّة هذه البيعة الغاشمة ، وكان عبد الله نفسه ممّن تأبّى عن البيعة (٢) لأوّل وهلة من قبل أن يتذوّق طعم هاتيك الرضيخة ـ مائة ألف ـ وكان يقول : إنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة
__________________
(١) أنساب الأشراف للبلاذري : ٤ / ٣١ [٥ / ٣٣٨ وفيه : فقال أبو حُزَّة : أيشرَبها صهباءَ كالمسكِ ريحُها أبو خالدٍ ويُضربُ الحدَّ مِسْوَر] (المؤلف)
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤٣ [١ / ١٥٠] ، تاريخ الطبري : ٦ / ١٧٠ [٥ / ٣٠٣] ، تاريخ ابن كثير : ٨ / ٧٩ [٨ / ٨٦ حوادث سنه ٥٦ ه] ، لسان الميزان : ٦ / ٢٩٣ [٦ / ٣٦٠ رقم ٩٢٨٨]. (المؤلف)