الله عليه ـ المتحلّي بآصرة النبوّة ، وشرف الإمامة ، وعلم الشريعة ، وخلق الأنبياء ، والفضائل المرموقة ، سيّد شباب أهل الجنّة أجمعين ، وقد حنّت إليه القلوب ، وارتمت إليه الأفئدة فرحين بكسر رتاج الجور ، رافضين لمن بعده.
لكن الرجل لم يتأثّر بكلّ هذه ولم يرها خلافاً ، ونبذ وصيّة نبيّه الكريم وراء ظهره ولم يعبأ بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتل بأرض يقال لها : كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره» (١) نعم : نصر ذلك المظلوم قرّة عين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بتقرير بيعة يزيد. وحسبانها بيعة صحيحة ، كان ينهى عن نكثها عند مرتجع الوفد المدني من الشام ، وقد شاهدوا منه البوائق والموبقات ، معتقدين خروجه عن حدود الإسلام قائلين : إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويعزف بالطنابير ، ويضرب عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسامر الحُرّاب والفتيان ، وإنّا نُشِهدُكم أنّا قد خلعناه. فتابعهم الناس (٢). وقال ابن فليح : إنّ أبا عمرو ابن حفص وفد على يزيد فأكرمه وأحسن جائزته ، فلمّا قدم المدينة قام إلى جنب المنبر وكان مرضيّا صالحاً فقال : ألم أحبّ؟ ألم أكرم؟ والله لرأيت يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكراً. فأجمع الناس على خلعه بالمدينة (٣).
وكان مسور بن مخرمة الصحابيّ ممّن وفد إلى يزيد ، فلمّا قدم شهد عليه بالفسق وشرب الخمر ، فكُتب إلى يزيد بذلك ، فكتب إلى عامله يأمره أن يضرب مسوراً الحدّ ، فقال أبو حرّة :
__________________
(١) الإصابة : ١ / ٦٨ [رقم ٢٦٦]. (المؤلف)
(٢) تاريخ الطبري : ٧ / ٤ [٥ / ٤٨٠ حوادث سنة ٦٢ ه] ، أنساب البلاذري : ٤ / ٣١ [٥ / ٣٣٨] ، فتح الباري : ١٣ / ٥٩ [١٣ / ٧٠]. يأتي الحديث على تفصيله في هذا الجزء. (المؤلف)
(٣) تاريخ ابن عساكر : ٧ / ٢٨٠ [٢٧ / ١٨ رقم ٣١٤٥ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٢ / ١٦]. (المؤلف)