ومنها : عن الهيثم ، عن ابن عمر : أتاه رجل فقال : إنّي نذرت أن أقوم على حراء عرياناً يوماً إلى الليل. فقال : أوفِ بنذرك. ثم أتى ابن عباس فقال له : أولست تصلّي؟ قال له : أجل ، قال : أفعرياناً تصلّي؟ قال : لا. قال : أو ليس حنثت؟ إنّما أراد الشيطان أن يسخر بك ويضحك منك هو وجنوده ، اذهب فاعتكف يوماً وكفّر عن يمينك. فأقبل الرجل حتى وقف على ابن عمر فأخبره بقول ابن عبّاس فقال : ومن يقدر منّا على ما يستنبط ابن عبّاس (١)؟
هاهنا يوقفنا السير على مبلغ الرجل من العلم بالأحكام ، أيّ فقيه هذا لا يعرف حكم النذر وأنّه لا بدّ فيه من الرجحان في المنذور ، وأنّ نذر التافهات وما ينكره العقل لا ينعقد قط؟ وهل مثل هذا يُعدّ من المعضلات حتى لا يقدر على عرفانه غير ابن عبّاس؟ ويكفي الرجل جهلاً أنّه ما كان يحسن طلاق زوجته ، وقد عجز واستحمق كما في صحيح مسلم (٢) (٤ / ١٨١) ولم يك يعلم أنّه لا يقع إلاّ في طهر لم يواقعها فيه (٣) ، وفي لفظ مسلم في صحيحه (٤ / ١٨١) : أنّه طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض.
ولذلك لم يره أبوه أهلاً للخلافة بعد ما كبر وبلغ منتهى الكهولة ، لمّا قال له رجل : استخلف عبد الله بن عمر. قال عمر : قاتلك الله والله ما أردت الله بها ، أستخلف من لم يحسن أن يطلّق امرأته (٤)؟ وكأنّ عمر كان يجد ابنه يوم وفاته على
__________________
(١) كتاب الآثار : ص ١٦٨ متناً وتعليقاً. (المؤلف)
(٢) صحيح مسلم : ٣ / ٢٧٣ ح ٧ كتاب الطلاق.
(٣) صحيح البخاري : ٨ / ٧٦ [٥ / ٢٠١١ ح ٤٩٥٣] ، صحيح مسلم : ٤ / ١٧٩ ـ ١٨٣ [٣ / ٢٧١ ـ ٢٧٦ ح ١ ـ ١٤ كتاب الطلاق] ، مسند أحمد : ٢ / ٥١ ، ٦١ ، ٦٤ ، ٧٤ ، ٨٠ ، ١٢٨ ، ١٤٥ [٢ / ١٤٨ ح ٥١٠٠ ، ص ١٦٧ ح ٥٢٤٦ ، ص ١٧٣ ح ٥٢٩٩ ، ص ١٩٠ ح ٥٤١٠ و ٥٤١١ ، ص ٢٠١ ح ٥٤٩٩ و ٥٥٠٠ ، ص ٤٨٨ ح ٦٠٨٤ ، ص ٣١٥ ح ٦٢٩٣]. (المؤلف)
(٤) تاريخ الطبري : ٥ / ٣٤ [٤ / ٢٢٨] ، كامل ابن الأثير : ٣ / ٢٧ [٢ / ٢١٩ حوادث سنة ٢٣ ه] ، الصواعق ص ٦٢ [ص ١٠٤] ، فتح الباري ٧ / ٥٤ [٧ / ٦٧] وصحّحه. (المؤلف)