عليك الحقّ والباطل (١).
أوَ كان ابن عمر بمنتأى عن عرفان دينه؟ أو كان على حدّ قوله تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) (٢) وهل كان ابن عمر لم يعرف من القرآن قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٣) وقد أفحمه رجل عراقيّ بهذه الآية وحيّره ، فلم يحر ابن عمر جواباً غير أنّه تخلّص منه بقوله : مالك ولذلك؟ انصرف عنّي. وسيوافيك تمام الحديث.
هلاّ كان ابن عمر بان له الرشد من الغيّ ، ولم يك يشخّص الحقّ من الباطل؟ وهلاّ كان يعرف الباغية من الفئتين؟ وهل كان يزعم بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبر عن الفتن بعده وأنّها تغشى أمّته كقطع الليل المظلم (٤) ، وترك الأمّة مغمورة في مدلهمّاتها ، هالكة في غمراتها ، ولم يعبّد لها طريق النجاة ، وما رشّدها إلى مهيع الحقّ ، ولم ينبس عمّا ينجيها ببنت شفة؟ حاشا نبيّ الرحمة عن ذلك ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يُبق عذراً لأيّ أحد من عرفان الباغية من الطائفتين في تلكم الحروب ، ولم يك يخفى حكمها على أيّ دينيّ ، قال مولانا أمير المؤمنين : «لقد أهمّني هذا الأمر وأسهرني ، وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلاّ القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، إنّ الله تبارك وتعالى لم يرضَ من أوليائه أن يُعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون ، لا يأمرون
__________________
(١) فتح الباري : ١٣ / ٤٠ [١٣ / ٤٩]. (المؤلف)
(٢) النحل : ٨٣.
(٣) الحجرات : ٩.
(٤) صحيح الترمذي : ٩ / ٤٩ [٤ / ٤٢٣ ح ٢١٩٧] ، مستدرك الحاكم : ٤ / ٤٣٨ ، ٤٤٠ [٤ / ٤٨٥ ح ٨٣٥٤ ، ص ٤٨٧ ح ٨٣١٠] ، كنز العمّال : ٦ / ٣١ ، ٣٧ [١ / ١٥٢ ح ٣٠٩٩٧ ، ١٥٧ ح ٣١٠١٩]. (المؤلف)