عليّ مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وأدر الحقّ معه حيث دار» (١).
إلى أخبار جمة ملأت ما بين الخافقين ، فهل ابن عمر كان بمنتأى عن هذه كلّها فحسب تلكم المواقف حرباً دنيويّة أو فتنة لا يعرف وجهها ، قتالاً على الملك (٢)؟ أو كان تُتلى عليه ثم يُصرّ مستكبراً كأن لم يسمعها ، كأنّ في أذنيه وقراً ، وعلى كلّ تقدير لم يك رأيه إلاّ اجتهاداً في مقابل النصّ ، لا يصيخ إليه أيّ دينيّ صميم.
ومن المأسوف عليه أنّ الرجل ندم يوم لم ينفعه الندم عمّا فاته في تلكم الحروب من مناصرة عليّ أمير المؤمنين ، وكان يقول : ما أجدني آسى على شيء من أمر الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية. وفي لفظ : ما آسى على شيء إلاّ أنّي لم أُقاتل مع عليّ الفئة الباغية. وفي لفظ : ما أجدني آسى على شيء فاتني من الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل مع عليّ الفئة الباغية. وفي لفظ : قال حين حضرته الوفاة : ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئاً إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية مع عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه. وفي لفظ ابن أبي الجهم : ما آسى على شيء إلاّ تركي قتال الفئة الباغية مع عليّ رضى الله عنه (٣).
وأخرج البيهقي في سننه (٨ / ١٧٢) من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر قال : بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال : يا أبا عبد الرحمن إنّي والله لقد حرصت أن أتسمّت بسمتك ، وأقتدي بك في أمر فرقة الناس ، وأعتزل الشرّ ما استطعت ، وإنّي أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي فأخبرني عنها ،
__________________
(١) راجع ما مرّ في الجزء الأوّل من حديث الغدير. (المؤلف)
(٢) راجع مسند أحمد : ٢ / ٧٠ ، ٩٤ [٢ / ١٨٢ ح ٥٣٥٨ ، ص ٢٢٥ ح ٥٦٥٧] ، سنن البيهقي : ٨ / ١٩٢. (المؤلف)
(٣) الطبقات الكبرى طبعة ليدن : ٤ / ١٣٦ ، ١٣٧ [٤ / ١٨٧] ، الاستيعاب : ١ / ٣٦٩ ، ٣٧٠ [القسم الثالث / ٩٥٣ رقم ١٦١٢] ، أُسد الغابة : ٣ / ٢٢٩ [٣ / ٣٤٢ رقم ٣٠٨٠] ، الرياض النضرة : ٢ / ٢٤٢ [٣ / ٢٠١]. (المؤلف)