هو وأصحابه يريدونه؟ أو من ناحية مناوئيه ومن بغى عليه من الفئة الباغية؟ والأوّل لا يتّفق مع ما جاء في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة في حقّ الإمام عليّ عليهالسلام وفي مواليه وتابعيه ومناوئيه ، وفي خصوص الحروب الثلاث ، كما هو مبثوث في مجلّدات كتابنا هذا ، وإن ذهل أو تذاهل عنها ابن عمر.
وإن كان يريد الثاني فلما ذا بايع معاوية بعد أن تقاعد عن بيعة أمير المؤمنين عليهالسلام؟ هذه أسئلة ووجوه لا أدري هل يجد ابن عمر عنها جواباً في محكمة العدل الإلهي؟ لا أحسب ، ولعلّه يتخلّص عنها بضؤولة العقل المسقط للتكليف.
وأعجب من هذه كلها ما جاء به أبو نعيم في الحلية (١ / ٣٠٩) من قول ابن عمر : إنّما كان مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم كانوا يسيرون على جادّة يعرفونها ، فبينما هم كذلك إذ غشيتهم سحابة وظلمة ، فأخذ بعضهم يميناً وشمالاً فأخطأ الطريق ، وأقمنا حيث أدركنا ذلك حتى جلّى الله ذلك عنّا ، فأبصرنا طريقنا الأوّل فعرفنا وأخذنا فيه ، وإنّما هؤلاء فتيان قريش يقتتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا ، ما أُبالي أن لا يكون لي ما يقتل (١) بعضهم بعضاً بنعلي هاتين الجرداوين.
ليت شعري متى غشيت الأُمّة سحابة وظلمة فأقام الرجل حيث أدرك ذلك؟ أعلى العهد النبويّ وهو أصفى أدوار الجوّ الدينيّ؟ أم في دور الخلافة؟ وقد بايع الرجل شيخ تيم وأباه ، وهما عنده خيرا خلق الله واحداً بعد واحد ، فلا يرى فيه غشيان الظلمة أو قبول السحابة ، واعطف على ذلك أيّام عثمان فقد بايعه ولم يتسلّل عنه حتى يوم مقتله ، كما مرّ في (ص ٢٣) من هذا الجزء ، فلم تكن أيّام عثمان عنده أيّام ظلمة وسحابة وإن كان من مُلقِحي فتنتها بما ارتآه ، فلم يبق إلاّ عهد الخلافة العلويّة وملك معاوية بن أبي سفيان.
__________________
(١) في تعليق الحلية : المعنى ما يقتل بعضهم بعضاً عليه ، والله أعلم. (المؤلف)