ثمّ تعطي الآية التالية توضيحا أكثر حول كون الأنبياء بشرا ، فتقول : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ). وجملة (لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) إشارة إلى ما جاء في موضع آخر من القرآن في نفس هذا الموضوع : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) (١).
وجملة (ما كانُوا خالِدِينَ) أيضا تكملة لنفس هذا المعنى ، لأنّ المشركين كانوا يقولون : كان من الأفضل أن يرسل ملك مكان البشر ، ملك له الخلود ، ولا تمتدّ إليه يد الموت! فأجابهم القرآن بأنّ أيّا من الأنبياء السابقين لم يكتب له الخلود حتّى يكتب لرسول الله (محمّد) الخلود و «البقاء في هذه الدنيا».
على كلّ حال ، فلا شكّ ـ كما قلنا ذلك مرارا ـ في أنّه يجب أن يكون قائد البشر ومرشدهم من جنسهم ، بنفس تلك الغرائز والعواطف والأحاسيس والحاجات والعلاقات حتّى يحسّ بآلامهم وعذابهم ، ولينتخب أفضل طرق العلاج باستلهامه من معلوماته ليكون قدوة وأسوة لكلّ البشر ، ويقيم الحجّة على الجميع.
ثمّ تحذّر الآية وتهدّد المنكرين المتعصّبين العنودين ، فتقول : إنّا كنا قد وعدنا رسلنا بل ننقذهم من قبضة الأعداء ، ونبطل كيد أولئك الأشرار (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ).
أجل ، فكما أنّ سنّتنا كانت إختيار قادة البشر من بين أفراد البشر ، كذلك كانت سنّتنا أن نحميهم من مكائد المخالفين ، وإذا لم تؤثّر المواعظ والنصائح المتلاحقة أثرها في المخالفين ، فإنّنا سنطهّر الأرض من وجودهم القذر.
ومن المعلوم أنّ المراد من «ومن نشاء» : الإرادة التي تدور حول معيار الإيمان والعمل الصالح ، كما أنّ من الواضح أيضا أنّ المراد من «المسرفين» هنا هم الذين أسرفوا في حقّ أنفسهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه عن طريق إنكار
__________________
(١) الفرقان ، ٧.