فرعون ، تحرّك من تلك الأرض المقدّسة ، والتقى أخاه هارون ـ على حدّ قول المفسّرين ـ قرب مصر ، ثمّ توجّها معا نحو فرعون ، وتمكّنا من الدخول إلى قصر فرعون الأسطوري برغم المشاكل الكثيرة.
فلمّا أصبح موسى أمام فرعون وجها لوجه ، أعاد تلك الجمل الدقيقة المؤثّرة التي علّمه الله إيّاها أثناء الأمر بالرسالة : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى). واعلم أيضا (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى).
فلمّا سمع فرعون هذا الكلام ، كان أوّل ردّ فعله أن (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى).
والعجيب أنّ فرعون المغرور والمعجب بنفسه لم يكن مستعدا حتّى أن يقول : من ربّي الذي تدّعيانه؟ بل قال : من ربّكما؟!
فأجابه موسى مباشرة بجواب جامع جدّا ، وقصير في الوقت نفسه ، عن الله : (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ففي هذه العبارة الموجزة إشارة إلى أصلين أساسيين من الخلقة والوجود ، وكلّ واحد منهما دليل وبرهان مستقل يوصل إلى معرفة الله :
الأوّل : إنّ الله سبحانه قد وهب لكلّ موجود ما يحتاجه ، وهذا أمر في غاية الأهميّة ممّا يقتضي تأليف عدّة كتب ، بل إنّ كثيرا من الكتب قد الّفت في هذا المجال.
إنّنا إذا دقّقنا قليلا في النباتات والحيوانات التي تعيش في كلّ منطقة ، سواء الطيور ، أو الحيوانات البحرية ، أو الحشرات والزواحف ، فسنرى أنّ لكلّ منها انسجاما تامّا مع محيطها الذي تعيش فيه ، وكلّ ما تحتاجه فهو موجود تحت تصرّفها ، فإنّ هيكل الطيور قد هيّئها للطيران من ناحية شكلها ووزنها وحواسها المختلفة ، وكذلك تكوين وبناء الحيوانات التي تعيش في أعماق البحار.
والثّاني : مسألة هداية وإرشاد الموجودات ، وقد جعلها القرآن باستعماله (ثمّ)