الأقوام المشركين الماضين ، بمثل هذا العذاب؟
٢ ـ وقال بعض : إنّ موسى لمّا قال : إنّ ربّ العالم هو ربّ الجميع ، سأل فرعون : فلما ذا كان الأسلاف من قومنا وكلّ الأقوام الماضية مشركين؟ فهذا يبيّن أنّ الشرك وعبادة الأصنام ليس عملا خاطئا!
٣ ـ وقال آخرون : لمّا كان معنى كلام موسى هو أنّ الجميع سينال نتيجة أعماله في النهاية ، وسيعاقب أولئك الذين عصوا الأوامر الإلهيّة ، فسأل فرعون : فما هو مصير الأقوال الماضية الذين هلكوا واندثروا؟
على كلّ حال ، أجابه موسى عليهالسلام بقوله : (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (١) وبناء على هذا فإنّ حساب هؤلاء وكتبهم محفوظة ، وسينالون في النهاية ثواب وعقاب أعمالهم ، فإنّ الحافظ لهذا الحساب هو الله الذي لا يخطئ ولا ينسى ، وبملاحظة ما بيّنه موسى من أصل التوحيد والتعريف بالله ، فإنّ من الواضح جدّا أنّ حفظ هذا الحساب لدى من أعطى كلّ موجود حاجته بدقّة ، ثمّ هداه ليس أمرا صعبا.
وللمفسّرين آراء مختلفة في الفرق بين (لا يضلّ) و (لا ينسى) إلّا أنّ الظاهر هو أن (لا يضلّ) إشارة إلى نفي أي نوع من الخطأ من قبل الله سبحانه ، و (لا ينسى) إشارة إلى نفي النسيان ، أي أنّه سبحانه لا يشتبه في حساب الأفراد عند بداية العمل ، ولا يبتلى بنسيان حفظ حسابهم وأعمالهم ، وعلى هذا فإنّ موسى قد نبّه بصورة ضمنيّة على إحاطة علم الله بكلّ شيء ، لينتبه فرعون إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ أي شيء من عمله لا يخفى على الله وإن كان بمقدار رأس الإبرة ، وسوف ينال عقابه أو ثوابه.
في الحقيقة ، إنّ الإحاطة العلمية لله هي نتيجة الكلام الذي قاله موسى من
__________________
(١) لقد ذكر «كتاب» هنا بصيغة النكرة ، وهذه إشارة إلى عظمة الكتاب الذي تثبت فيه أعمال العباد ، كما نقرأ في آية أخرى : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) الكهف ـ ٤٩.