وتبيانا لصلاح أولئك ، والذي ورد في الآية السابقة.
يقول أوّلا : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) أي إنّنا وهبناهم مقام الإمامة إضافة إلى مقام النّبوّة والرسالة ، والإمامة ـ كما أشرنا إلى ذلك سابقا ـ هي آخر مراحل سير الإنسان التكاملي ، والتي تعني القيادة العامّة الشاملة لكلّ الجوانب الماديّة والمعنوية ، والظاهرية والباطنية ، والجسميّة والروحية للناس.
والفرق بين النبوّة والرسالة وبين الإمامة ، هو أنّ الأنبياء في مقام النبوّة والرسالة يتلقّون أوامر الله ويبلّغونها الناس إبلاغا مقترنا بالإنذار أو البشارة فقط ، أمّا في مرحلة الإمامة فإنّهم ينفّذون هذا البرنامج الإلهي ، سواء كان هذا التنفيذ عن طريق تشكيل حكومة عادلة أو بدون ذلك ، فهم في هذه المرحلة مربّون للناس ، ومعلّمون لهم ، ومنفّذون للأحكام والبرامج في سبيل إيجاد بيئة طاهرة نزيهة إنسانية.
في الحقيقة ، إنّ مقام الإمامة مقام تنفيذ كلّ الخطط والاطروحات الإلهيّة ، وبتعبير آخر : الإيصال إلى المطلوب ، والهداية التشريعيّة والتكوينيّة ، فالإمام من هذه الناحية كالشمس التي تنمي الكائنات الحيّة بأشّعتها تماما (١).
ثمّ يذكر في المرحلة التالية ثمرة هذا المقام ، فيقول : (يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) ولا يعني بالهداية الإرشاد وبيان الطريق الصحيح ، والذي هو من شأن النبوّة والرسالة ، بل يعني الأخذ باليد والإيصال إلى المقصود. وهذا بالطبع لمن له الاستعداد واللياقة والأهليّة.
أمّا الموهبة الثّالثة الرّابعة والخامسة فقد عبّر عنها القرآن بقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) وهذا الوحي يمكن أن يكون وحيا
__________________
(١) لمزيد الاطّلاع في هذا المجال راجع ذيل الآية (١٢٤) من سورة البقرة.