داود إلى أنّ الخسارة التي أصابت الكرم تعادل قيمة الأغنام ، ولذلك حكم بوجوب إعطاء الأغنام لصاحب البستان جبرا للخسارة ، لأنّ التقصير من جانب صاحب الأغنام.
وينبغي الالتفات إلى أنّنا نقرأ في بعض الرّوايات أنّ على صاحب الأغنام أن يمنع غنمه من التعدّي على زرع الآخرين في الليل ، كما أنّ من واجب صاحب الزرع حفظ زرعه في النهار (١).
أمّا معيار حكم سليمان عليهالسلام فقد كان يرى أنّ خسارة صاحب البستان تعادل ما سينتفع به من الأغنام لسنة كاملة!
بناء على هذا فإنّ الإثنين قد قضيا بالحقّ والعدل ، مع فارق أنّ حكم سليمان كان أدقّ ، لأنّ الخسارة لا تدفع مرّة واحدة في مكان واحد ، بل تؤدّي بصورة تدريجيّة بحيث لا تثقل على صاحب الغنم أيضا. وإضافة إلى ما مرّ ، فقد كان هناك تناسب بين الخسارة والجبران ، لأنّ جذور النباتات لم تتلف ، بل ذهبت منافعها المؤقتة ، ولذلك فإنّ من الأعدل ألّا تنقل أصول الأغنام إلى ملك صاحب البستان ، بل تنقل منافعها فقط.
ونقول في جواب السؤال الثّاني : لا شكّ أنّ حكم الأنبياء مستند إلى الوحي الإلهي ، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ وحيا خاصّا ينزل في كلّ مورد من موارد الحكم ، بل إنّ الأنبياء يحكمون حسب القواعد الكليّة التي تلقّوها من الوحي.
بناء على هذا فإنّه لا توجد مسألة الاجتهاد النظري بمعناها الاصطلاحي ، وهو الاجتهاد الظنّي ، ولكن لا مانع من أن يكون هناك طريقان لإيجاد ضابطة كليّة ، وأن يكون نبيّان كلّ منهما يرى أحد الطريقين ، وكلاهما صحيح في الواقع ، وكان الموضوع الذي عالجناه في بحثنا ـ على سبيل الاتّفاق ـ من هذا القبيل كما
__________________
(١) نقرأ في مجمع البيان في ذيل الآية مورد البحث : روي عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قضى بحفظ المواشي على أربابها ليلا ، وقضى بحفظ الحرث على أربابه نهارا. وقد نقل هذا المضمون في تفسير الصافي نقلا عن كتاب الكافي.