لا يسمعون صوت أي أحد أبدا ، فكأنّهم لوحدهم في العذاب ، وهذا بنفسه يعتبر عقوبة أشدّ ، لأنّ الإنسان إذا رأى معه بعض المسجونين فستهون عليه المصيبة ، و «البليّة إذا عمّت طابت» ، كما في المثل.
ثمّ تبيّن الآية التالية حالات المؤمنين الحقيقيين من الرجال والنساء ليتبيّن وضع الفريقين من خلال المقارنة بينهما ، فتقول أوّلا : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) وهو إشارة إلى أنّنا سنفي بكلّ الوعود التي وعدنا بها المؤمنين في هذه الدنيا ، وأحدها إبعادهم عن نار جهنّم.
وبالرغم من أنّ ظاهر الجملة يشمل كلّ المؤمنين الحقيقيين ، إلّا أنّ البعض احتمل أن تكون إشارة إلى من عبد من دون الله كالمسيح ومريم عليهماالسلام ، الذين عبدوا دون إرادتهم ، ولمّا كانت الآيات السابقة تقول : ستكونون أنتم وآلهتكم في جهنّم ، وكان من الممكن أن يشمل هذا التعبير أمثال المسيح عليهالسلام ، فإنّ القرآن يبيّن هذه الجملة كاستثناء بأنّ هذه الفئة سوف لا ترد الجحيم أبدا.
وذكر بعض المفسّرين سببا لنزول هذه الآية ، وهو يوحي بأنّ البعض قد سأل الرّسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم نفس هذا السؤال فنزلت الآية تجيبهم. ولكن مع ذلك فلا مانع من أن تكون الآية جوابا لهذا السؤال ، وأن تكون حكما عامّا لكلّ المؤمنين الواقعيين.
وتذكر الآيتان الأخيرتان أربع نعم إلهيّة كبرى تغمر هذه الطائفة السعيدة.
فالأولى : إنّهم (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) و «الحسيس» ـ كما قال أرباب اللغة ـ الصوت المحسوس ، وجاءت أيضا بمعنى الحركة ، أو الصوت الناشئ من الحركة ، ونار الجحيم المشتعلة دائما لها صوت خاصّ ، وهذا الصوت مرعب من جهتين : من جهة أنّه صوت النّار ، ومن جهة أنّه صوت حركة النّار والتهامها. ولمّا كان المؤمنون المخلصون بعيدين عن جهنّم ، فسوف لا يطرق سمعهم هذا الصوت المرعب مطلقا.