وجود النظم والقانون في عالم الوجود والخلق تعتبر من أهمّ مسائل هذا العالم ، فمثلا : إذا وجدنا مئات العقول الالكترونية القوّية قد انضمّ بعضها إلى بعض لإعداد الرحلات الفضائية لروّاد الفضاء بالمحاسبات الدقيقة ، وكانت حساباتها صحيحة تماما حيث تنزل المركبة الفضائية في المكان المقترح لها على سطح القمر ، مع أنّ كوكبي القمر والأرض يتحرّكان كلاهما بسرعة ، فينبغي أن نعرف أنّ هذا الحدث العظيم مدين لنظام المجموعة الشمسية وأقمارها الدقيق ، لأنّهم إذا انحرفوا عن مسيرهم الدقيق المنتظم بمقدار ١ خ من الثّانية ، لما كان معلوما مصير رجال الفضاء!
وننتقل من العالم الكبير إلى عالم أصغر وأصغر وصغير جدّا ، فهنا ـ وخاصّة في الكائنات الحيّة ـ سيتّخذ النظام معنى أكثر حيويّة ، ولا محل للفوضى فيه مطلقا ، فإنّ اختلال النظام في خلية واحدة في دماغ الإنسان كاف لأن يبدّل نظم حياته إلى اضطراب مؤسف.
وجاء في أخبار الصحف : إنّ شابا جامعيا قد نسي كل ماضيه تقريبا على أثر هزّة دماغية شديدة في حادثة سير! مع أنّه كان سالما من حيث الجهات الاخرى ، فلم يعرف أخاه ولا أخته كما كان يتضايق عند ما تحتضنه أمّه وتقبّله ، ويتساءل : ماذا تفعل معي هذه المرأة الأجنبية؟ فيذهبون به إلى مسقط رأسه ، وإلى الغرفة التي نشأ فيها ، فكان ينظر إلى أعماله اليدوية ، ولوحاته الفنية ، إلّا أنّه يقول : إنّي أرى هذه الغرفة واللوحات لأوّل مرّة! ربّما كان يعتقد أنّه قد قدم من كوكب آخر ، فكلّ شيء جديد بالنسبة له.
ربّما توقّفت بعض خلاياه من بين عدّة مليارات من الخلايا المخيّة ، وهي التي تربط ماضيه بحاضره ، ولكن أي أثر مرعب تركه هذا الاختلال الجزئي؟!
هل يستطيع المجتمع الإنساني بانتخابه اللانظام والفوضى والظلم والجور