بتعبير آخر : هو الذي سار على الصراط المستقيم ، لأنّ «حنف» على وزن «صدف» تعني الرغبة ، ومن رغب عن كلّ انحراف فقد سار على الصراط المستقيم.
وعلى هذا فإنّ الآية السابقة اعتبرت الإخلاص وقصد القربة إلى الله محرّكا أساسيّا في الحجّ والعبادات الاخرى ، حيث ذكرت ذلك بشكل عام ، فالإخلاص أصل العبادة. والمراد به الإخلاص الذي لا يخالطه أي نوع من الشرك وعبادة غير الله.
جاء في حديث عن الإمام الباقر عليهالسلام أجاب فيه مبيّنا معنى كلمة حنيف : «هي الفطرة التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ، قال : فطرهم الله على المعرفة» (١).
إنّ التّفسير الذي تضمّنه هذا الحديث ، هو في الواقع إشارة إلى أساس الإخلاص ، أي : الفطرة التوحيديّة التي تكون مصدرا لقصد القربة إلى الله ، وتحريكا ذاتيا من الله.
ثمّ ترسم الآية ـ موضع البحث ـ صورة حيّة ناطقة عن حال المشركين وسقوطهم وسوء طالعهم ، حيث تقول : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) (٢).
«السّماء» هنا كناية عن التوحيد ، و «الشرك» هو السبب في السقوط من السّماء هذه.
ومن الطبيعي أن تكون في هذه السّماء نجوما زاهرة وشمسا ساطعة وقمرا منيرا فطوبى لمن يكون شمسا أو قمرا أو في الأقل نجما متلألئا ، ولكن الإنسان عند ما يسقط من هذا المكان العالي يبتلى بأحد أمرين : فإنّما يصبح طعاما للطيور الجوارح أثناء سقوطه وقبل وصوله إلى الأرض ، وبعبارة أخرى : يبتلى بفقدانه هذا
__________________
(١) توحيد الصدوق ، حسبما نقله تفسير الصافي.
(٢) «تخطفه» مشتقّة من «الخطف» على وزن فعل ، بمعنى الإمساك بالشيء ، أثناء تحرّكه بسرعة و «سحيق» تعني «البعيد» وتطلق على النخلة العالية كلمة «سحوق».