وثالث عبارة (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) إنّ إطلاق كلمة «الأب» على «إبراهيم» عليهالسلام ، إمّا بسبب كون العرب والمسلمين آنذاك من نسل إسماعيل عليهالسلام غالبا ، وإمّا لكون إبراهيم عليهالسلام هو الأب الروحي للموحّدين جميعا على الرغم من خلط المشركين دينه الحنيف بأنواع من الخرافات الجاهلية آنذاك.
ويليها تعبير (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) أي هو سمّاكم المسلمين في الكتب السماوية السابقة ، وفي هذا الكتاب السماوي أيضا (القرآن) ، وإنّ المسلم ليفتخر بأنّه قد أسلم نفسه لله في جميع أوامره ونواهيه.
وقد اختلف المفسّرون لمن يعود ضمير (هو) في العبارة السابقة ، فقال البعض منهم: إنّه يعود إلى الله تعالى ، أي إنّ الله سمّاكم في الكتب السماوية السابقة والقرآن بهذا الاسم الذي هو موضع فخركم ، ويرى آخرون أنّ ضمير (هو) يعود إلى إبراهيم عليهالسلام ويستدلّون بالآية (١٢٨) من سورة البقرة حيث نادى إبراهيم عليهالسلام ربّه بعد إتمامه بناء الكعبة قائلا : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ).
ونحن نرى أنّ التّفسير الأوّل أصوب ، لأنّه ينسجم مع آخر الآية ذاتها حيث يقول : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) أي هو سمّاكم المسلمين في الكتب السماوية السابقة والقرآن المجيد ، وهذا القول يناسب الله عزوجل ولا يناسب إبراهيم عليهالسلام (١).
وخامس عبارة خصّ بها المسلمين وجعلهم قدوة للأمم الاخرى ، هي قوله المبارك : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ).
و «الشهيد» هو الشاهد ، وهي كلمة مشتقّة من شهود ، بمعنى اطلاع المرء على
__________________
(١) إنّ هذا الدين سمّاه القرآن المجيد بصراحة واضحة (الإسلام) كما جاء في الآية الثّالثة من سورة المائدة (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً). كما ذكرت آيات عديدة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم باعتباره (أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام ، ١٤. الزمر ، ١٢.