الناس جميعا.
وقد وردت كلمة «الامّة» في القرآن المجيد بمعنى «الجماعة» غالبا ، وندر ورودها بمعنى «الدين» مثل (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (١).
وممّا يلفت النظر أنّ هذا المعنى تضمّنته الآية ٩٢ من سورة الأنبياء مع فارق بسيط (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ). في وقت شرحت الآيات السابقة لهذه الآية حياة كثير من الأنبياء ، و «هذه» في الحقيقة إشارة إلى أمم الأنبياء السابقين ، الذين كانوا يشكّلون أمّة واحدة بحسب التعاليم الإلهيّة ، حيث تحرّكوا جميعا لتحقيق هدف واحد.
وقد حذّرت الآية التالية البشر من الفرقة والاختلاف ، بعد أن تمّت في الآية السابقة دعوتهم إلى التمسّك بالواحدة فقالت : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً) وممّا يثير الدهشة أنّ (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
«الزبر» جمع «زبرة» على وزن «لقمة» تعني بعض شعر الحيوان خلف رأسه.
يجمعه الراعي ليفصله عن باقي الشعر. ثمّ أطلقت هذه الكلمة على كلّ شيء ينفصل عن أصله ، فتقول الآية : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً). إشارة منها إلى تفرّق الامّة إلى مجموعات وفئات مختلفة.
واحتمل البعض الآخر أنّ الزبر جمع «زبور» بمعنى كتاب ، وتعني أنّ كلّ فئة منهم كانت تمسك بكتاب منزل وتنفي ما عداه من الكتب السماوية ، مع أنّ مصدرها واحد. ولكن عبارة (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) تدعم التّفسير الأوّل ، فكلّ حزب يتحدّث بما تشتهي نفسه ، ويصرّ على رأيه.
تستعرض الآية حقيقة نفسيّة واجتماعية هي أنّ التعصّب الجاهلي للأحزاب
__________________
(١) الزخرف ، ٢٣.