واستعملت الآية أسلوبا مؤثّرا آخر لإيقاظ هذه الفئة وتعليمها (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) هذه العبارة الموجزة والعميقة تبيّن واحدا من أقوى الأدلّة على البعث وحساب الأعمال والجزاء ، وتعني أنّ الحياة الدنيا تصبح عبثا إن لم تكن القيامة والمعاد. فالدنيا بما فيها من مشاكل وما وضع فيها الله من مناهج ومسئوليات وبرامج ، تكون عبثا وبلا معنى إن كانت لأيّام معدودات فقط ، كما سنشرح ذلك في المسائل الآتية.
وبما أنّ عدم بثيّة الخلق أمر مهمّ يحتاج إلى دليل رصين ، أضافت الآية (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).
فإنّ الذي يقوم بعمل تافه ـ في الواقع ـ هو الجاهل غير الواعي أو الضعيف غير القادر ، أو من هو بالذات تافه خاو.
أمّا «الله» الذي جمع الكمال في صفاته.
وهو «الملك» الذي يملك جميع الكائنات ويحكم عليها وهو «الحقّ» الذي لا يصدر منه غير الحقّ ، فكيف يخلق الوجود عبثا بلا غاية.
ولو توهّم أحد الأشخاص بأنّه يمكن أن يوجد من يمنعه من الوصول إلى هدفه ، فإنّ عبارة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) تنفي ذلك وتؤكّد ربوبيّته ومفهومها أنّ هذا المالك مصلح وهادف في خلقه للعالم.
وباختصار نقول : إنّه إضافة إلى ذكر كلمة «الله» التي هي إشارة إلى صفاته الكمالية في ذاته ، ذكرت الآية أربع صفات بشكل صريح : مالكية وحاكمية الله ، ثمّ حقّانيّة وجوده ، وكذلك عدم وجود شريك له ، وأخيرا مقام ربوبيّته. وهذا كلّه دليل على أنّه تعالى لا يقوم بعمل عبثا ، كما أنّه لم يخلق البشر عبثا.
كلمة «العرش» كما أشرنا سابقا ، هي إشارة إلى أنّ عالم الوجود كلّه الخاضع
__________________
أنّكم ما لبثتم إلّا قليلا ، وقال بعض المفسّرين أن «لو» تعني هنا «ليت» وبهذا تكون الجملة بهذا الشكل «ليتكم علمتم بهذا الموضوع في دنياكم»