رأيتموها : (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) (١) فقد عاهدتكم على أن تثبتوا على خطّ التوحيد وطريق طاعة الله الخالصة ، وأن لا تنحرفوا عنه قيد أنملة ، إلّا أنّكم نسيتم كلّ كلامي في غيابي ، وكذلك تمردّتم على طاعة أمر أخي هارون وعصيتموه.
فلمّا رأى بنو إسرائيل أنّ موسى عليهالسلام قد عنّفهم بشدّة ولا مهم على فعلهم وتنبّهوا إلى قبح ما قاموا به من عمل ، هبوا للاعتذار فـ (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) (٢) فلم نكن في الواقع قد رغبنا وصمّمنا على عبادة العجل (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ).
وللمفسّرين آراء فيما فعله بنو إسرائيل ، وما فعله السامري ، وما هو معنى الآيات ـ محلّ البحث ـ على نحو الدقّة ، ولا يبدو هناك فرق كبير في النتيجة بين هذه الاختلافات.
فذهب بعضهم : إن «قذفناها» تعني أنّنا ألقينا أدوات الزينة التي كنّا قد أخذناها من الفراعنة قبل الحركة من مصر في النّار ، وكذلك ألقى السامري ما كان معه أيضا في النّار حتّى ذاب وصنع منه عجلا.
وقال آخرون : إنّ معنى الجملة أنّنا ألقينا أدوات الزينة بعيدا عنّا ، فجمعها السامري وألقاها في النّار ليصنع منها العجل.
ويحتمل أيضا أن تكون جملة (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) إشارة إلى مجموع الخطّة التي نفذّها السامري.
__________________
(١) من البديهي أن لا أحد يصمّم على أن يحلّ عليه غضب الله ، بل المراد من العبارة أنّكم في وضع كأنّكم قد صمّمتم مثل هذا التصميم في حقّ أنفسكم.
(٢) «ملك» و «ملك» كلاهما تعني تملّك الشيء ، وكأنّ مراد بني إسرائيل أننا لم نتملّك هذا العمل ، بل وقعنا تحت تأثيره حتّى اختطف قلوبنا وديننا من أيدينا. واعتبر بعض المفسّرين هذه الجملة مرتبطة بجماعة قليلة من بني إسرائيل لم تعبد العجل ، ويقال إنّ ستمائة ألف شخص من هؤلاء أصبحوا من عبدة العجل ، وبقي منهم إثنا عشر ألف فقط على التوحيد. لكن يبدو أنّ التّفسير الذي قلنا أعلاه هو الأصحّ.