وعلى كلّ حال ، فإنّ كبير القوم إذا لام من تحت إمرته على ارتكابهم ذنبا ما ، فإنّهم يسعون إلى نفي ذلك الذنب عنهم ، ويلقونه على عاتق غيرهم ، وكذلك عبّاد العجل من بني إسرائيل ، فإنّهم كانوا قد انحرفوا بإرادتهم ورغبتهم عن التوحيد إلى الشرك ، إلّا أنّهم أرادوا أن يلقوا كلّ التبعة على السامري.
على كلّ ، فإنّ السامري ألقى كلّ أدوات زينة الفراعنة وحليهم التي كانوا قد حصلوا عليها عن طريق الظلم والمعصية ـ ولم يكن لها قيمة إلّا أن تصرف في مثل هذا العمل المحرّم ـ في النّار (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) (١) فلمّا رأى بنو إسرائيل هذا المشهد ، نسوا فجأة كلّ تعليمات موسى التوحيديّة (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى).
ويحتمل أيضا أن يكون قائل هذا الكلام هو السامري وأنصاره والمؤمنون به.
وبهذا فإنّ السامري قد نسي عهده وميثاقه مع موسى ، بل مع إله موسى ، وجرّ الناس إلى طريق الضلال : «فنسي».
ولكن بعض المفسّرين فسّروا «النسيان» بالضلال والانحراف ، أو أنّهم اعتبروا فاعل النسيان موسى عليهالسلام وقالوا : إنّ هذا كلام السامري ، وهو يريد أن يقول : إنّ موسى نسي أنّ هذا العجل هو ربّكم ، إلّا أنّ كلّ ذلك مخالف لظاهر الآية ، وظاهرها هو ما قلناه من أنّ المراد هو أنّ السامري قد أودع عهده وميثاقه مع موسى وربّ موسى في يد النسيان ، وأتّخذ طريق عبادة الأصنام.
وهنا قال الله سبحانه توبيخا وملامة لعبدة الأوثان هؤلاء : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) فإنّ المعبود الواقعي يستطيع على الأقل أن يلبيّ طلبات عباده ويجيب على أسئلتهم ، فهل يمكن أن يكون سماع خوار العجل من هذا الجسد الذهبي لوحده ، ذلك الصوت الذي لا يشعر بأيّة
__________________
(١) «الخوار» صوت البقرة والعجل ، ويطلق أحيانا على صوت البعير.