ومن أجل رفع معنوياتهما ، والتأكيد على بذل أقصى ما يمكن من المساعي والجهود ، فقد أضاف سبحانه قائلا : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) وتنفيذ أوامري ، لأنّ الضعف واللين وترك الحزم سيذهب بكلّ جهود كما أدراج الرياح ، فأثبتا ولا تخافا من أي حادثة ، ولا تهنا أمام أي قدرة.
بعد ذلك ، يبيّن الهدف الأصل لهذه الحركة ، والنقطة التي يجب أن تكون هدفا لتشخيص المسار ، فيقول : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) فإنّه سبب كلّ الشقاء والتعاسة في هذه المنطقة الواسعة ، وما لم يتمّ إصلاحه فسوف لا ينجح أي عمل ، لأنّ عامل تقدّم الأمّة أو تخلّفها ، سعادتها أو شقائها وبؤسها هو قادتها وحكّامها ، ولذلك يجب أن يكونوا هدفكما قبل الجميع.
صحيح أنّ هارون لم يكن في ذلك الحين حاضرا في تلك الصحراء ، ولكن الله أطلعه على هذه الحوادث كما ذكر المفسّرون ، وقد خرج من مصر لاستقبال أخيه موسى لأداء هذه المهمّة ، إلّا أنّه لا مانع مطلقا من أن يخاطبا معا ، وتوجّه إليهما مأمورية تبليغ الرسالة ، في الوقت الذي لم يحضر غير أحدهما.
ثمّ بيّنت الآية طريقة التعامل المؤثّرة مع فرعون ، فمن أجل أن تنفذا إليه وتؤثرا فيه (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) والفرق بين «يتذكّر» و «يخشى» هنا هو أنّكما إذا واجهتماه بكلام لطيف ، رقيق ، ملائم ، وتبيّنان في الوقت ذاته المطالب بصراحة وحزم ، فيحصل أحد الاحتمالين : أن يقبل من صميم قلبه أدلتكما المنطقيّة ويؤمن ، والاحتمال الآخر هو أن يخاف على الأقل من العقاب الإلهي في الدنيا أو الآخرة ، ومن زوال ملكه وقدرته ، فيذعن ويسلم ولا يخالفكما.
ويوجد احتمال ثالث أيضا ، وهو أنّه لا يتذكّر ولا يخشى ، بل سيستمر في طريق المخالفة والمجابهة ، وقد أشير إلى ذلك بكلمة «لعلّ» وفي هذه الصورة فإنّ الحجّة قد تمّت عليه ، وعلى كلّ حال فإنّ القيام بهذا العمل لا يخلو من فائدة.