لا شكّ أنّ الله تعالى يعلم عاقبة عمله ، إلّا أنّ التعبيرات المذكورة آنفا درس لموسى وهارون وكلّ المصلحين والمرشدين إلى طريق الله (١).
ومع هذه الحال ، فقد كان موسى وهارون قلقين من أنّ هذا الرجل القوي المتغطرس المستكبر ، الذي عمّ رعبه وخشونته كلّ مكان ، قد يقدم على عمل قبل أن يبلّغ موسى عليهالسلام وهارون عليهالسلام الدعوة ، ويهلكهما ، لذلك (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى).
«يفرط» من مادّة فرط ـ على وزن شرط ـ أي السبق والعجلة ، ولذلك يقال للشخص الذي يردّ محلّ الماء أوّلا : فارط ، ونقرأ في كلام الإمام علي عليهالسلام أمّا قبور الموتى بجبانة الكوفة : «أنتم لنا فرط سابق» (٢).
على كلّ حال ، فإنّ موسى وهارون كانا مشفقين من شيئين : فإمّا أن يقسو فرعون ويستخدم القوّة قبل أن يسمع كلامهما ، أو أنّه يقدم على هذا العمل بعد سماعه هذا الكلام مباشرة ، وكلتا الحالين تهدّد مهمّتهما بالخطر.
إلّا أنّ الله سبحانه قد أجابهما بحزم : فـ (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) وبناء على هذا ، فمع وجود الله القادر معكما في كلّ مكان ، الله الذّي يسمع كلّ شيء ، ويرى كلّ شيء ، وهو حاميكما وسندكما ، فلا معنى للخوف والرعب.
ثمّ يبيّن لهما بدقّة كيفية إلقاء دعوتهما في محضر فرعون في خمس جمل قصار قاطعة غنيّة المحتوى ، ترتبط أوّلها بأصل المهمّة ، والثّانية ببيان محتوى المهمّة ، والثّالثة بذكر الدليل والسند ، والرّابعة بترغيب الذين يقبلونها ، وأخيرا فإنّ الخامسة تكفّلت بتهديد المعارضين.
فتقول أوّلا : (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) والجميل هنا أنّهما بدل أن يقولا : (ربّنا) فإنّهما يقولان (ربّك) ليثيروا عواطف فرعون وإحساساته تجاه هذه النقطة
__________________
(١) لقد بحثنا في معنى (لعلّ) وبأي معنى وردت في القرآن بصورة مفصّلة في ذيل الآية (٨٤) من سورة النساء.
(٢) نهج البلاغة ، الكلمات القصار رقم ١٣٠.