البداية ـ محاورة موسى عليهالسلام مع أخيه هارون عليهالسلام ، ثمّ مع السامري.
فخاطب أوّلا أخاه هارون (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ) أفلم أقل لك أن (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (١)؟ فلما ذا لم تهب لمحاربة عبادة العجل هذه؟
بناء على هذا ، فإنّ المراد من جملة (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) هو : لماذا لم تتّبع طريقة عملي في شدّة مواجهة عبادة الأصنام؟ أمّا ما قاله بعض المفسّرين من أنّ المراد هو : لماذا لم تثبت معي على التوحيد مع الذين ثبتوا ، ولم تأت معي إلى جبل الطور ، فيبدو بعيدا جدّا ، ولا يتناسب كثيرا والجواب الذي سيبديه هارون في الآيات التالية.
ثمّ أضاف : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)؟ لقد كان موسى عليهالسلام يتحدّث بهذا الكلام مع أخيه وهو في فورة وسورة من الغضب ، وكان يصرخ في وجهه ، وقد أخذ برأسه ولحيته يجرّه إليه. فلمّا رأى هارون غضب أخيه الشديد قال له ـ من أجل تهدئته وليقلّل من فورته ، وكذلك ليبيّن عذره وحجّته في هذه الحادثة ضمنا (... قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي).
كان هارون في الحقيقة يشير إلى كلام موسى عليهالسلام الذي وجّهه إليه عند توجّهه إلى الميقات ، وكان محتواه الدعوة إلى الإصلاح ـ الآية (١٤٢) من سورة الأعراف ـ فهو يريد أن يقول : إنّي إذا كنت قد أقدمت على الاشتباك معهم كان ذلك خلاف أمرك ، وكان من حقّك أن تؤاخذني. وبهذا أثبت هارون براءته ، وخاصّة مع ملاحظة الجملة الأخرى التي وردت الآية (١٥٠) من سورة الأعراف : (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي).
__________________
(١) سورة الأعراف ، ١٤٢.