وهنا ينقدح السؤال التالي وهو : لا شكّ أنّ كلّا من موسى وهارون نبي ، فكيف يوجّه موسى عليهالسلام هذا العتاب واللهجة الشديدة إلى أخيه ، وكيف نفسّر دفاع هارون عن نفسه؟!
ويمكن القول في الجواب : إنّ موسى عليهالسلام كان متيقّنا من براءة أخيه ، إلّا أنّه أراد أن يثبت أمرين بهذا العمل.
الأوّل : أراد أن يفهم بني إسرائيل أنّهم قد ارتكبوا ذنبا عظيما جدّا ، وأي ذنب؟! الذنب الذي ساق هارون الذي كان نبيّا عظيما إلى المحكمة ، وبتلك الشدّة من المعاملة ، أي إنّ المسألة لم تكن بتلك البساطة التي كان يتصوّرها بنو إسرائيل. فإنّ الانحراف عن التوحيد والرجوع إلى الشرك ، وذلك بعد كلّ هذه التعليمات ، وبعد رؤية كلّ تلك المعجزات وآثار عظمة الحقّ ، أمر لا يمكن تصديقه ، ويجب الوقوف أمامه بكلّ حزم وشدّة.
قد يشقّ الإنسان جيبه ، ويلطم على رأسه عند ما تقع حادثة عظيمة أحيانا ، فكيف إذا وصل الأمر إلى عتاب أخيه وملامته ، ولا شكّ أنّ هذا الأسلوب مؤثّر في حفظ الهدف وترك الأثر النفسي في الأناس المنحرفين ، وبيان عظمة الذنب الذي ارتكبوه. كما لا شكّ في أنّ هارون ـ أيضا ـ كان راضيا كلّ الرضى عن هذا العمل.
الثّاني : هو أن تثبت للجميع براءة هارون من خلال التوضيحات التي يبديها ، حتّى لا يتّهموه فيما بعد بالتهاون في أداء رسالته.
وبعد الانتهاء من محادثة أخيه هارون وتبرئة ساحته ، بدأ بمحاكمة السامري : لماذا فعلت ما فعلت ، وما هدفك من ذلك؟ : (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ)؟ فأجابه و (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي).
ترى ما كان مقصود السامري من كلامه هذا؟! للمفسّرين قولان مشهوران ...
الأوّل : إنّ مراده هو : إنّني رأيت جبرئيل على فرس ، عند مجيء جيش