إنّ قسما مهمّا من القرآن المجيد يبيّن تاريخ وقصص الماضين ، وذكر كلّ هذه الوقائع التاريخيّة التي جرت على السابقين في القرآن الذي هو كتاب يهتمّ بتربية الإنسان ليس أمرا اعتباطيّا عبثيّا ، بل الغاية منه الاستفادة من الأبعاد المختلفة في تأريخ هؤلاء ، عوامل الإنتصار والهزيمة ، والساعدة والشقاء ، والاستفادة من التجارب الكثيرة المخفية في طيّات تاريخ أولئك السابقين.
وبصورة عامّة ، فإنّ من أكثر العلوم اطمئنانا وواقعيّة هي العلوم التجريبيّة التي تخضع للتجارب في المختبر ، وتظهر نتائجها الدقيقة. والتأريخ مختبر كبير لحياة البشر ، وفي هذا المختبر سرّ شموخ الأمم وسقوطها ، نجاحها وفشلها ، سعادتها وتعاستها ، فكلّها وضعت تحت التجربة وظهرت نتائجها أمام أعيننا ، ونحن نستطيع بالاستفادة من تلك التجارب أن نتعلّم قسما من معارفنا الأكثر اطمئنانا في مجال أمور حياتنا.
وبتعبير آخر ، فإنّ حاصل حياة الإنسان ـ من جهة ـ هو التجربة ، ولا شيء غيرها ، والتاريخ ـ إذا كان خاليا من كلّ أشكال التحريف ـ هو حاصل حياة آلاف السنين من عمر البشر جمعت في مكان واحد في متناول الباحثين والدارسين.
ولهذا السبب يؤكّد أمير المؤمنين علي عليهالسلام في مواعظه الحكيمة لولده الإمام الحسن عليهالسلام على هذه النقطة بالذات ، فيقول :
«أي بني ، إنّي وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمالهم ، وفكّرت في أخبارهم ، وسرت في آثارهم حتّى عدت كأحدهم ، بل كأنّي بما أنتهي إليه من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم ، فعرفت صفو ذلك من كدره ، ونفعه من ضرره ، فاستخلصت لك من كلّ أمر نخيله» (١).
بناء على هذا ، فإنّ التاريخ مرآة يعكس الماضي ، وحلقة تربط الحاضر
__________________
(١) نهج البلاغة ، الرسالة ٣١. قسم الرسائل.