بالماضي ، ويوسّع ويطيل من عمر الإنسان بمقداره.
التأريخ معلّم يحكي لنا عن سرّ ورمز عزّة الأمم وسقوطها ، فيحذر الظالمين ، ويجسّد المصير المشؤوم للظالمين السابقين الذين كانوا أشدّ منهم قوّة ، ويبشّر رجال الحقّ ويدعوهم للاستقامة والثبات ، ويحمسهم ويحفّزهم على المضي في مسيرهم.
التأريخ هو المشعل الذي يضيء مسير حياة البشر ، ويفتح الطرق ويعبّدها لحركة الجيل الحاضر.
التأريخ مربّي الجيل الحاضر ، وهم سيصنعون تأريخ الغدّ.
والخلاصة ، فإنّ التأريخ أحد أسباب الهداية الإلهية.
ولكن ينبغي الانتباه جيدا ، فبمقدار ما يكون التأريخ الصحيح بنّاء ملهما مربّيا نجد أنّ التواريخ المزيّفة مدعاة للضلال والانحراف ، ومن هذا المنطلق فإنّ مرضى القلوب سعوا دائما إلى تضليل البشر وصدّهم عن سبيل الله ، بتحريف التأريخ ، وينبغي أن لا ننسى أنّ التحريف في التأريخ كثير (١).
ويلزم بيان هذه الملاحظة أيضا ، وهي أنّ كلمة (ذكر) هنا ، وفي آيات كثيرة أخرى من آيات القرآن الكريم تشير إلى القرآن نفسه ، لأنّ آياته سبب لتذكّر وتذكير البشر ، والوعي والحذر.
ولهذا السبب فإنّ الآية التالية تتحدّث عن الذين ينسون حقائق القرآن ودروس التأريخ وعبره ، فتقول : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً).
نعم ... إنّ الإعراض عن الله سبحانه يجرّ الإنسان إلى مثل هذه المتاهات التي تحمله أعباءا ثقيلة من أنواع الذنوب والانحرافات الفكريّة والعقائدية وكلمة (وزر) عادة تعني بحدّ ذاتها الحمل الثقيل ، وذكرها نكرة يؤكّد تأكيدا أكبر على
__________________
(١) لقد بحثنا في مجال التاريخ وأهميته في بداية سورة يوسف ونهايتها وكذلك في ذيل الآية (١٢٠) من سورة هود.