الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ) (١) فمنهم تفيد التبعيض ، وهذا هو عين الصواب ، وإلاَّ دخل في المعيّة أولئك المنافقون الذين مردوا على النفاق كما جاء في قوله تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (٢).
كما أن الحديث عن المنافقين يفتح أمامنا سؤالا عريضاً ، كيف انقطع النفاق بمجرَّد انقطاع الوحي؟ فهل كانت حياة النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سبباً في نفاق المنافقين؟ أو موته صلىاللهعليهوآلهوسلم سبباً في إيمانهم وعدالتهم؟ كل هذه الأسئلة يدعو إليها الواقع التأريخيِّ الذي لم يذكر لنا شيئاً عنهم بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مع أنهم كانوا يشكِّلون خطراً على الأمَّة الإسلاميَّة ، قال تعالى : ( جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (٣) ، ولم يثبت لنا التأريخ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قاتل المنافقين ، فهل ياترى من الذي قاتل المنافقين ، غير علي عليهالسلام؟! وخاصة أن الكتاب والسنّة أثبتا بقاء المنافقين على نفاقهم ، بل هم الأكثريّة الذين شكَّلوا تيَّار الانقلاب بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (٤) ولا يخفى عليك أن قوله : ( الشَّاكِرِينَ ) دلالة على الأقلّيّة ; لقوله تعالى : ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (٥) ، ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (٦).
__________________
١ ـ سورة الفتح ، الآية : ٢٩.
٢ ـ سورة التوبة ، الآية : ١١٠.
٣ ـ سورة التحريم ، الآية : ٩.
٤ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤.
٥ ـ سورة المؤمنون ، الآية : ٧٠.
٦ ـ سورة سبأ ، الآية : ١٣.