قلت : نعم ، فلم ألعنه بعدها.
ثمَّ كنت أحضر تحت منبر المدينة ، وأبي يخطب يوم الجمعة ـ وهو حينئذ أمير المدينة ـ فكنت أسمع أبي يمرُّ في خطبه تهدر شقاشقه ، حتى يأتي إلى لعن علي عليهالسلام فيجمجم ، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به ، فكنت أعجب من ذلك ، فقلت له يوماً : يا أبت! أنت أفصح الناس وأخطبهم ، فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك ، حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عيّياً؟!
فقال : يا بنيَّ! إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم ، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد.
فوقرت كلمته في صدري ، مع ما كان قاله لي معلِّمي أيام صغري ، فأعطيت الله عهداً ، لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيِّرنّه ، فلمَّا منَّ الله عليَّ بالخلافة أسقطت ذلك ، وجعلت مكانه : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) ، وكتب به إلى الآفاق فصار سنَّة.
وقال كثير بن عبد الرحمن يمدح عمر ويذكر قطعه السبّ :
وَلَيْتَ فَلَمْ تَشْتم عليّاً وَلَمْ
تُخِف |
|
بَريّاً وَلَمْ تَقْبَلْ إِسَاءَةَ
مُجرِم |
وَكَفَّرْتَ بِالعَفْوِ الذُنُوبَ
مَعَ الَّذِي |
|
أَتَيْتَ فَأَضْحَى رَاضِياً كُلُّ
مُسْلِمِ (٢) |
روى ابن وهب ، عن حفص بن ميسرة ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه
__________________
١ ـ سورة النحل ، الآية : ٩٠.
٢ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٤ / ٥٨.