الانحراف بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ مجموعة كبيرة من الصحابة كانت تحارب مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهم يستلهمون الطاقة والحماس منه.
وبمعنى آخر كانوا يعملون بالطاقة التي كانوا يكسبونها من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأضرب لك مثالا على ذلك : عندما يستمع الإنسان لخطيب بارع يتحدَّث عن الجهاد والتضحية فسوف تنتاب المستمعين حالة روحيّة عالية ، بحيث لو طلب من كل واحد منهم أن يضحّي بنفسه فإنّه لا يمانع ، ولكن مجرَّد أن يغادر المكان ويبتعد عن الخطيب ، تضعف تلك الطاقة ، هذا بخلاف الذي يكون له وعي كامل بالقضية ، فإنه يولِّد تلك الطاقة من نفسه ، وكثير من الثورات الإصلاحيّة تحوَّل الداعون لها إلى مفسدين بعد أن فقدوا قائدهم الروحي ، وهذا أمر طبيعي ينتاب كل البشر.
ولك في الثورة المهديّة في السودان خير مثال ، فبموت محمّد أحمد المهدي انشقَّت صفوف الأنصار ، ووقع الخلاف بينهم ، وهكذا الصحابة بشر فإنهم معرَّضون لذلك ، قال تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (١) ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما جاء في البخاري وصحيح مسلم ـ : بينما أنا قائم فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم ، فقلت : إلى أين؟ فقال : إلى النار والله ، قلت : ما شأنهم؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أرى يخلص منهم إلاَّ كهمل ، النعم (٢).
__________________
١ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤.
٢ ـ صحيح البخاري : ٧ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، كتاب الدعوات ، باب في الحوض ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ١١ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٣٠٩١٨.