(الَّذِينَ كَفَرُوا) : هم [المفعولين](١). ويكون (أنّ) مع اسمه ، وخبره ، بدلا منه ، فكأنه قال : لا تحسبن أنما نملي للكافرين ، خير لأنفسهم ، فتحمل (أنّ) مع اسمه ، وخبره ، فلا يلزم ما ألزمه أبو علي (٢) ، من أن (أنّ) ، لو كان بدلا ، لوجب نصب خير. قال : لأنه يصير التقدير : لا تحسبن إملاءنا خيرا. فمن أين لك هذا الإلزام ، وقد ذكرت في قوله تعالى : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) (٣٥) (٣) رادا على من زعم أن : (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) : بدل ، من (أنّ) الأولى.
وزعمت أن (أنّ) الأولى ، لم تتم بخبرها ، فكيف يبدل عنها؟ فلم تجز إبدال (أنّ) الثانية ، من (أنّ) الأولى ، لأنها لم تتم ، فكيف ألزمت أبا إسحاق هاهنا أن يجعل (أنّ) مع اسمه البدل ، دون خبرها ، أو يتم (أنّ) باسمها اسما تاما. وأين قولهم جميعا : إن (أنّ) مع الاسم ، والخبر ، في تقدير المصدر ، ولم يقولوا : إن (أنّ) مع ، اسمه في تقدير المصدر. فما هذا الازدحام منك ، ومن غيرك على مثل ذلك الشيخ (٤). وحين قيل لك (٥) : إن (أنّ) الثانية ، في قوله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [٣٨ / أ] بدل من الأولى ، هو قول سيبويه (٦). فقلت : فإذن يكون الكلام على حذف خبر (إنّ) الأولى ، لأن حذف خبر (إنّ) و (أنّ) جاء. قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ)(٧) ولم يذكر : معذبون. وقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(٨) ولم يذكر : في النار [قال الشاعر] :
٨٣ ـ إنّ محلا ، وانّ مرتحلا |
|
وإنّ في السّفر ، إذ مضوا ، مهلا (٩) |
فحذف الخبر. وليس هذا كقوله : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ)(١٠) لأن هناك الواو بمعنى : مع. أي : إن المصدقين مع المصدقات ، كقولهم : كل رجل وضيعته. وهذا شيء قد عرض. ولنعد
__________________
(١) في الأصل : (المفعولون) ، وإنما هي خبر كان ، و (هم) : ضمير فصل ، ولم يرد في القرآن الكريم غير هذا الأسلوب.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٥٤٣.
(٣) ٢٣ : سورة المؤمنون ٣٥. وقد انحصرت آراء النحويين في إعراب (أن) الثانية في أربعة أقوال هي :
الأول : قول سيبويه ، وهو أن تكون (أن) الثانية : بدلا.
الثاني : قول الفراء ، والجرمي ، والمبرد ، وهو أن تكون : مكررة للتوكيد.
الثالث : قول أبي الحسن الأخفش ، واختاره أبو علي الفارسي ، وهو أن تكون : مرتفعة بالظرف المقدر.
الرابع : قول الزجاج ، وهو : أن يحمل (يعد) على (يقول) فتكسر الهمزة ، وينحسر الإشكال. ينظر : الكتاب ٣ : ١٢٣ ، ومعاني القرآن ـ للفراء ٢ : ٢٣٤ ، ومجمع البيان ٧ : ١٠٥ ، ١٠٦ ، وتفسير القرطبي ١٢ : ١٢٢.
(٤) عنى به : أبا إسحاق.
(٥) المخاطب : أبو علي الفارسي.
(٦) الكتاب ٣ : ١٣٢.
(٧) ٤١ : سورة فصلت : ٤١.
(٨) ٢٢ : سورة الحج ٢٥.
(٩) البيت من المنسرح ، للأعشى ، في : ديوانه ٢٣٣ ، والكتاب ٢ : ١٤١ ، والتحصيل ٢٨٤ ، والمقتضب ٤ : ١٣٠ ، والخصائص ٢ : ٣٧٣ ، وابن يعيش ١ : ١٠٣ ، والمغني ١ : ٨٢ ، ٢٣٩ ، ٢ : ٦٠٩ ـ ٦٣١ ، والخزانة ٩ : ٢٢٧ ، ١٠ : ٤٥٢ ـ ٤٥٩.
وبلا نسبة في : شفاء العليل ١ : ٣٥٥.
(١٠) ٥٧ : سورة الحديد ١٨.