قال : التقدير : ولا يخرج خروجا. فوضع خارجا موضع خروج. وهو محمول على (لا أشتم). ولا (أشتم) جواب (عاهدتّ ربي). أي : عاهدته لا أشتم ، ولا يخرج ف (خارج) في موضع خروج. كما قال تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ)(١). أي : تنفّل تنفّلا. فدل على تنفل : تهجد. ودل على التنفل : نافلة. وزعم عيسى (٢) أن قوله : لا أشتم الدهر ، في موضع الحال (٣) ، أي : عاهدتّ ربي على حلفة ، غير شاتم ، ولا خارجا ، فحمل خارجا على موضع الفعل ، والفاعل ، لأنه في موضع المفرد. وقد ذكرنا نظائر ذا ، وسيأتيك ، إن شاء الله.
فأما قوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (٤) (٤) فتقديره : بلى نجمعها قادرين ، لأن قوله : (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ)(٥) دل على نجمعها ، فهو كقولك : قائما قد علم الله. أي : يقوم قائما.
فكذا نجمعها قادرين. وقد يوضع غير الفاعلين ، مقام الفاعلين ، فينصب كما ينصب المصدر.
فالأصل أن تقول : أنت سيرا ، ثم يليه : أقائما وقد قعد الناس ، تشبيها لقائم ، بقيام ، كما قال : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ)(٦) أي : على خيانة ، ثم يليه : أتميميا مرة ، وقيسيا أخرى (٧) ، تشبيها ب (أقائما). كأنه يقول : أتتحول تميميا مرة ، وقيسيا أخرى. فأجرى غير المشتق مجرى المشتق.
وعلى هذا ما روي عن علي [٦٠ / أ] رضي الله عنه : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ)(٨) بفتح التاء (٩). أي : نجتمع عصبة. وإن زعمت أنه ، [قال الشاعر] :
١٥٣ ـ إنّا بني منقر ، قوم ذوو حسب |
|
... (١٠) |
فإن ذاك معرفة ، يأتي للاختصاص ، والمدح ، وليس عصبة كذلك. ألا ترى أنه لم يجز (١١) ذلك في [قول الشاعر] :
__________________
(١) ١٧ : سورة الإسراء ٧٩.
(٢) هو : عيسى بن عمر ، الثقفي ، مولى خالد بن الوليد ، المخزومي (ت ١٤٩ ه). أخذ عن ابن أبي إسحاق ، وكان فصيحا يتقعر في كلامه ، ويعدل عن سهل الألفاظ إلى الوحشي ، والغريب. صنف كتابي : (الجامع) ، و (الإكمال) في النحو ، ولم يصلا إلينا. ينظر : أخبار النحويين البصريين ٢٥ ، ٢٦ ، وطبقات النحويين ٤٠ ـ ٤٥ ، ونزهة الألباء ٢٨ ـ ٣٠.
(٣) المقتضب ٤ : ٣١٣ ، وفيه : (وأما عيسى بن عمر فإنه كان يجعل (خارجا) حالا).
(٤) ٧٥ : سورة القيامة ٤.
(٥) ٧٥ : سورة القيامة ٣.
(٦) ٥ : سورة المائدة ١٣.
(٧) الكتاب ١ : ٣٤٣.
(٨) ١٢ : سورة يوسف ١٤.
(٩) مختصر في شواذ القرآن ٦٢ ، والكشاف ٢ : ٣٠٤ ، وتفسير الرازي ١٨ : ٩٣.
(١٠) البيت من البسيط ، لعمرو بن الأهتم المنقري ، وعجزه :
... |
|
فينا سراة بني سعد وناديها |
وهو بهذه النسبة في : الكتاب ٢ : ٢٣٣ ، والتحصيل ٣١٩.
وبلا نسبة في : الخزانة ٨ : ٣٠٦.
(١١) يعني : سيبويه. الكتاب ٢ : ٢٣٥.