لأنه صار جملة معه. والضمير ، في الفاعل والمفعول ، لا يصيرهما جملة ، فلا يستقل به الصلة. لو قلت : جاءني الذي قائم ، أو جاءني الذي مضروب ، لم يجز ، لأنه ليس بجملة. وليس لهذا الضمير ، صيغة تدل عليها ، كالتاء ، والألف ، والواو في الأفعال. والضمير الذي في الظرف ، نحو : زيد خلفك ، تقديره : زيد مستقر خلفك ، فحذف (مستقر) وانتقل الضمير منه إلى الظرف ، وصار مرتفعا به ، بدليل مجيء الحال عنه ، والعطف عليه ، والبدل منه ، والتأكيد له ، على ما قدمناه ، في باب المبتدأ ، وباب الخبر.
فأما الضمير المنصوب المتصل ، فالياء ، في (كلّمني) ، والتثنية ، والجمع جميعا (كلّمنا). الياء ، في (كلّمني) هو : الاسم. والنون عماد. وإنما جيء بها ، لأن ياء المتكلم يكسر ما قبلها ، فكرهوا الكسر في الفعل ، كما كرهوا الجر فيه. فالنون جيء به لهذا المعنى. وإذا كانوا قد جاؤوا بالنون ، في نحو (إنني) ليسلم آخر (إنّ) لمشابهته بالفعل ، فإلحاقه بالفعل أولى. وقد ألحقوها (قدني) و (عنّي) و (منّي) ، ليسلم سكون الأواخر ، كما أرادوا سلامة آخر الفعل ، هاهنا.
واعلم أنه [١١٣ / أ] مهما أمكنك الإتيان بالمتصل ، لم تأت بالمنفصل. تقول : قمت. ولا تقول : قام أنا ، لأن (أنا) منفصل يجري مجرى الأجنبي ، نحو : زيد وعمرو مع الفعل. وهذا يدل على أن الكلام ، إذا أمكن أن يقدر تقدير المفرد ، فهو أولى من أن يقدّر بعضها ، منفصلا من بعض. وكذلك : قمت ، لا تقول : قام أنت.
[فإن قلت] : فإنّ الفرزدق قد قال :
٢٨٧ ـ ... وإنما |
|
يدافع عن أحسابكم أنا ، أو مثلي (١) |
ولم لم يقل : أدافع؟ وهل هو كقوله :
٢٨٨ ـ إليك حتى بلغت إياكا (٢)
أو هو مستحسن؟
[الجواب] : أنّ قوله : إنما يدافع ، معناه : ما يدافع [عن](٣) أحسابكم إلا أنا. لأن (إنّ) للتحقيق ، و (ما) للنفي. فحمل الكلام على المعنى ، كما قال تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ)(٤) ... إلى أن قال : (وَحُورٌ عِينٌ) (٢٢) (٥) ، فرفع ، حملا على المعنى ، لأن الكلام ، دل على
__________________
(١) البيت من الطويل ، ديوانه ٢ : ٣١٥ ، وصدره :
أنا الضامن الراعي عليهم ، وإنما |
|
... |
وهو في ديوانه ٢ : ٣١٥.
(٢) من الزجز ، لحميد الأرقط ، وقبله :
أتتك عنس تقطع الاراكا
وهو بهذه النسبة في : ابن يعيش ٣ : ١٠٣ ، والخزانة ٥ : ٢٨٠ ، ٢٨١.
وبلا نسبة في : الكتاب ٢ : ٣٦٢ ، والتحصيل ٣٧٢ ، والخصائص ١ : ٣٠٧ ، والإنصاف ٢ : ٦٩٩.
(٣) في الأصل : من.
(٤) ٥٦ : سورة الواقعة ١٧ ، ١٨.
(٥) ٥٦ : سورة الواقعة ٢٢.